شخصيات

سناء موسى …أبدعت في إنتاج التراث الغنائي بشكل جديد

تتميز فلسطين بسحر خاص جمعته من حضارات كثيرة مرت على المنطقة، انتجت تراثاً غنياً ومتنوعاً من الفنون المختلفة شملت المعالم الأثرية والتاريخية، إضافة إلى التراث الغنائي العريق الذي ارتبط بأحداث مختلفة مرت على فلسطين، والذي انتقل الينا من خلال اللوحات الغنائية الحديثة، وكان للفنانة سناء موسى بصمتها في انتاج التراث بطريقة ولون مختلف يتوافق مع روح العصر الجديد.

النشأة:


سناء موسى ابنة الفنان علي موسى، وجدتها وطفة، استقت التراث الغنائي منهم، وهي التي ولدت في الجليل تحديداً قرية دير الأسد، ولدت في العام 1979م، هي فنانةٌ فلسطينية، اشتهرت بتقديم العديد من الأغاني الفلكلورية، والتراثية الفلسطينية، بدأت مسيرتها الفنية عام 2003م.
طبيعة الفن الذي تؤديه سناء موسى:
إنها تؤدي الفن البديل الذي لا يتحدد بأطر نمطية معينة تابعة لشركات أو قنوات تجارية عملاقة، والتي تُهدر 
هوية الفنان بما يتماشى مع مصلحتهم الشخصية.” 
ورغم صعوبة الطريق وتكلفته الا أن موسى اختارته في إنتاج ما يعكس هُويتها كامرأة فلسطينية.
  ففي قاموس موسى لن يتأرشف التاريخ الفلسطيني بل هو حاضر بصوتها المخملي الدافئ، وبقوالب الموسيقى المتنوعة، ففي كل أغنية جديدة أصول متجذرة تحاكي الحب، الوطن، البارودة، الشهداء، المرأة الفلسطينية، الأرض، الحصاد. 

نبش التراث بوصلتها في الغناء:


البوصلة التي تحركني نبش التراث الفلسطيني، ومحاولة تقديمه من محاوره المختلفة، وما أقدمه على المسرح يشكل جزءاً منه.
قدمت الفنانة سناء موسى على المسرح أغنيات لأول مرة “طلت البارودي. ونجمة الصبح. وما جاني نوم. وسفر برلك”. جزء كبير من هذه الأغنيات لم يكن معروفاً، وبات متداولا ويرددها عدد من الفنانين والفنانات، ومن الشباب، والكبار، والصغار. وفي أسطواناتي أتعمد تقديم ما هو غير مألوف من التراث.
إذا المختلف وغير المعروف هو هدفي من تقديم غناء التراث بحيث يشكل جزءاً من الذاكرة السمعية لشعبنا. وهذا ما قلته في أسطوانة “اشراق”. مشاريع متعددة أقوم بها في الوقت عينه، إنما التراث هو الأول والأهم. وكل مشروع آخر يكون مرافقاً.

تأسيس فرقة “نوى أثر”:


في عام 2003 تدربت وغنت في جوقة مركز الأرموي (مركز موسيقى المشرق) تحت إشراف الأستاذ خالد جبران. وفي عام 2004 بدأت بتقديم العروض الكلاسيكية، والتراثية بالعديد من المهرجانات في أوروبا، والعالم العربي من خلال التفاعل مع مجموعة من خيرة الموسيقيين اللذين قدموا من أهم المدارس الكلاسيكية.
وفي عام 2008 قامت بتأسيس فرقة «نوى أثر»، وهو اسم فارسي لمقام موسيقي أخاذ تندر الاستعانة به في الموسيقى العربية. وقد عملت الفرقة على تقديم الأغاني الشعبية التي تعد جزءًا من الذاكرة الفلسطينية بطريقة جديدة مع المحافظة على طابعها الشرقي الأصيل.

برنامج “ترويدة”:


بملابسها وحليها التراثية، تقدم الفنانة الفلسطينية سناء موسى برنامج ترويدة، برعاية تلفزيون فلسطين. يهدف البرنامج إلى جمع، وحفظ، وشرح الأغنية الشعبية الفلسطينية، وقوالبها التي تشكل جزءاً مهماً من التراث الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام.
سناء موسى، الواقعة تحت سحر التراث، تتماهى مع ميزاته، وملامحه، وتدرسه كفن عاش في الماضي، وتطور ليستمر معنا في حاضرنا.
السياقات الأنثروبولوجية والتاريخية تُوثق حقيقة الانعكاس الذي يُشكِلهُ الواقع الفلسطيني بمختلف مراحله الزمنية على الأغنية الجزء الأكبر من هذا التراث عمره أضعاف عمر الاحتلال. في هذه الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، بلادُ الشام هي أرضٌ واحدة، لا حضور للتقسيم الجغرافي أو القومي. هذا الفن متشعب الألوان والأصول التاريخية يخلق بئراً لا تنضب من الأصالة الإنسانية والتراث العربي الواحد.

الرؤية والأبحاث في التراث:


تجري سناء منذ عام 2005 أبحاثاً ميدانية بمنهجية علمية إنثروبولوجية لجمع مواد تعتمد عليها مشاريعها الموسيقية، وما زالت تعمل على توثيق هذا الموروث في المخيمات الفلسطينية في الوطن والشتات.
عرف عن سناء تقديمها للموروث الفلسطيني غير الشائع، والبحث عن المحاور غير المطروقة، والتنقيب عن الموسيقى والأغاني والتراث الفلسطيني القديم. أعادت قولبة وتقديم العديد من المضامين الموسيقية، والغنائية بأسلوب جديد، ما ساعد على إشهار مشروعها الموسيقي على نطاق واسع، فقدمت مئات العروض الموسيقية التي ساهمت في نشر التراث الفلسطيني خارج فلسطين وداخلها.

تراث غنائي بروح عصرية:


تعتبر سناء الأغاني التراثية مضامين ثقافية، وكتباً معرفية تسرد الأغاني طقوس الزرع، والحصاد، وصلاة الاستسقاء وغيرها من الطقوس، وتوثق المراحل السياسية المختلفة كفترة “السفربرلك” إلى فترة الاحتلال البريطاني، وغيرها من الأغاني المرتبطة بثقاقة الجماعة.
ختاماً: تعد سناء موسى من القلائل الذين نقلوا التراث بشكل يتمشى مع روح العصر، ويتناسب مع الجيل الجديد، والتي حرصت من خلال مت تقدمه على نقل التراث الغنائي الفلسطيني، وتخليد الأغاني التي تعتقد بأنها على وشك أن تمحى من الذاكرة الشعبية، نتيجة للبعد عن تكرارها، وموت كل من يحفظ تلك الأغاني من الأجيال السابقة.
بهذا أنتجت موسى حالة فنية جميلة، وأصيلة لا تمحى من الذاكرة.

إدوارد سعيد …اسم بارز في عالم النقد والأدب

يبرز اسم إدوارد سعيد كواحد من أبرز العقول التي أثرت بعمق في فهمنا للأدب، وتأثيره على الثقافة والسياسة، حيث يجمع سعيد بين دوره كناقد في العلوم الإنسانية، وتجربته الشخصية كفلسطيني أمريكي، مما جعله رمزًا للتنوع، والتفكير المعقد.

 قدرة نادرة لدى سعيد على تقديم نقدٍ للأدب، والثقافة يتعدى السطح. في كتبه، حيث فتح أبوابًا لاستكشاف الأدب كوسيلة لتشكيل الهوية، والتأثير على القوى السياسية.

اعتبر إدوارد سعيد الأدب أداة لتكوين الوعي، والتفكير النقدي. وهذا ما أظهره من خلال تحليله العميق للنصوص، واستقرائه للسياقات الثقافية.

 من أبرز إسهامات سعيد هو تسليطه الضوء على الأدب الاستعماري، والدور الذي لعبه في تشكيل صور الهوية، والثقافة، وبتسليطه الضوء على هذا الجانب أوضح تأثير الأدب في تثبيت هيمنة القوى الكولونيالية، وتبرير الاستعمار.

‎ تنسجم آراء سعيد مع قضايا سياسية محورية، بدءًا من القضية الفلسطينية بفعل تجربته الشخصية كلاجئ فلسطيني، كما أن أسهمه في توجيه الضوء نحو القضية الفلسطينية، وحقوق الإنسان، مستخدمًا صوته كعالِم ومفكر لنشر الوعي والتفاهم..

المولد والنشأة

ولد سعيد في القدس عاصمة فلسطين عام 1935م، لعائلة مسيحية ثرية، كان والده وديع إبراهيم رجل أعمال عاش في الولايات المتحدة لفترة ومنح الجنسية الأمريكية، وخدم في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى قبل أن يعود إلى موطنه فلسطين.

عاش سعيد في بيئة منعزلة، حيث لم يكن لعائلته الكثير من الاتصالات. والروابط الاجتماعية مع الآخرين، لذلك نشأ إدوارد وحيدًا بلا أصدقاء، مما دفعه للبحث عن نوع آخر من الصداقة، وهي الكتب.

 حرص إدوارد على قراءة الكتب ذات الموضوعات المختلفة، وخاصة الروايات، وذلك بفضل المكتبة الكبيرة المتوفرة في المنزل التي تحتوي على العديد من الكتب، إلى جانب التشجيع والتحفيز المستمر من والدته، مما ساهم بشكل كبير في تطوير معرفته.

من ناحية أخرى، أحب سعيد الموسيقى واستمع إليها منذ أن كان طفلاً. وكانت لديه ذاكرة موسيقية قوية، مما جعله مستعدًا لتعلم العزف على البيانو، وإتقانه عندما كان في الثالثة عشرة من عمره.

مسيرة إدوارد سعيد الأكاديمية والعملية

في عام 1947م، أُجبرت عائلة إدوارد سعيد على مغادرة القدس، والانتقال إلى القاهرة، للهروب من الصراع اليهودي_العربي على تقسيم فلسطين، مما جعل سعيد يتلقى تعليمه في مدرسة إنجليزية في القاهرة.

 ثم تابع دراسته الجامعية في جامعة برينستون عام 1957م، والتحق لاحقًا بجامعة هارفارد لإكمال دراسته العليا، وحصل على درجة الماجستير عام 1960م، ودكتوراه في الأدب الإنجليزي عام 1964م.

كان إدوارد مدرسًا للغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا، وتمت ترقيته إلى أستاذ مساعد للغة الإنجليزية، والأدب المقارن ثم أستاذًا، وخلال تلك الفترة كتب إدوارد كتابه الأول “جوزيف كونراد”، ورواية “السيرة الذاتية”.

بجانب عمله الأكاديمي، كان إدوارد ناشطًا سياسيًا بارزًا، خاصة في القضية الفلسطينية، حيث كتب العديد من الكتب، والمقالات التي تدعم القضية العربية، وحقوق الفلسطينيين، وكان من أشد المنتقدين للسياسات الأمريكية، والإسرائيلية في الشرق الأوسط.

 في عام 1977م، تم تعيينه في المجلس الوطني الفلسطيني (المجلس التشريعي لفلسطين في المنفى)، كما اتخذ إدوارد موقفًا ضد اتفاقيات أوسلو للسلام الموقعة بين منظمة التحرير. وإسرائيل في مطلع التسعينيات.

مؤلفات إدوارد سعيد

الاستشراق: اكتسب الكتاب شهرة واسعة مع ظهور وانتشار مشكلة الاستشراق في مجال الدراسات، منذ القرن الثامن عشر، وما بعده، وهو عبارة عن فكر منظم استطاعت الحضارة الغربية من خلاله إنتاج شرق جديد سياسيًا، واقتصاديا، واجتماعيا.

 لذلك يأتي الكتاب في هذا السياق موضوع الاستشراق. وخلفياته، ونتائجه العسكرية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية، والعقائدية.

الإسلام في عيون الغرب: هذا الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات لمفكرين تتحدث عن صورة الإسلام في نظر المجتمع الغربي، بعضها يتعلق بالبداية التاريخية لاحتلال إسرائيل لفلسطين. والعلاقات بين فلسطين وإسرائيل، وآراء المجتمع الغربي حول الإسلام.

الآلهة تفشل دائماً: يتحدث الكتاب عن صورة المثقف بشكل عام. ودوره، والظواهر الناشئة عن العلاقة بين الثقافة وبعض السلطة، والسياسة، والاجتماعية، والاقتصادية. وما يصيب المفكر المثقف في المنفى، والصفات الفكرية، والنفسية التي تؤهله للقيام بدوره على أكمل وجه، وكيف يصبح شخصا ذا قدرات فكرية مميزة، كما يعرف باسم محاضرات ريث.

استكشافات في الموسيقى والمجتمع: الكتاب عبارة عن حوار بين الدكتور إدوارد. والمخرج دانيال “بورنهام” من أوركسترا شيكاغو “الفيلهارمونية”. أقيم في قاعة كارنيجي الشهيرة، وهو نوع من الجدل الثقافي الملتهب حول الثقافة، والسياسة، وتطرقوا إلى مواضيع مثل الإحساس بالمكان، والفرق بين الموسيقى والنثر، والصوت والأداء. وقدرة الثقافة على تجاوز كل الاختلافات.

الحرب من أجل فلسطين: إعادة كتابة تاريخ 1948م: يساهم الكتاب في النقاش بين المؤرخين حول عام1948م، وصورته في عيون كل من العرب. والإسرائيليين، وكذلك العلاقات المتضاربة بين الأطراف في كتابات “نعوم تشومسكي”.

نظرية النقد الأدبي والثقافي لإدوارد سعيد:

أسس فكرته حول “النص الأدبي” كوحدة تحليلية مستقلة؛ هذا يشير إلى التركيز على العمل الأدبي نفسه دون الاعتماد على معلومات عن الكاتب. أو الظروف التاريخية، كما أشار إلى مفهوم “العرضية”. حيث يعتقد أن المعاني ليست ثابتة ومطلقة، بل تتأثر بالسياق والثقافة.

 كما أشار إلى دور الأدب، والثقافة في تحقيق الهيمنة، والاستعمار الثقافي. واعتبر أن الأدب يمكن أن يُستخدم كوسيلة لتبرير السيطرة الثقافية والسياسية للقوى الاستعمارية على الشعوب.

أشار سعيد إلى دور الأدب. والفن في المقاومة بالرغم من تركيزه على الاستعمارية الثقافية. فيعتبر أن الثقافات المضطهدة يمكن أن تستخدم الأدب، والفن كوسيلة للمقاومة. وتجديد الهوية.

أثرى سعيد بهذه النظرية فهمنا لعلاقة الأدب بالثقافة، والسياسة. حيث أسهم في توسيع الآفاق النقدية، وتشجيعنا على النظر بعمق في الأعمال الأدبية. وتأثيرها على العالم من حولنا.

في ختام هذا الرحيل في عالم الأدب، والنقد الثقافي، يبقى إدوارد سعيد شخصيةً استثنائية تركت بصمة عميقة في تفكيرنا، وتفاعلنا مع الأدب، والسياسة. مع كل مؤلفاته التي قرأناها ونظرياته التي نقلتنا إلى أفق جديد. حيث لا يقتصر الأدب على كونه مجرد كلمات مكتوبة، بل يتحول إلى ساحة للتفكير، والاستجابة والتغيير.

ترك سعيد بصمة أدبية فاعلة استمرت لأجيال، يستدعينا إلى النظر بأعماق أكبر. وفحص النصوص بعيون نقدية أكثر. وتحليل التفاصيل بعناية أكبر. من خلال تراثه نستمد قوتنا لفهم تأثير الأدب، والثقافة. على الهوية. والمجتمع.

إدوارد سعيد ليس مجرد اسم في كتب التاريخ. بل هو دعوة دائمة للتساؤل. والاستكشاف. إن إرثه يعيش في أفكارنا، ومقالاتنا ونقاشاتنا. لنستمر في تبني أفكاره وتطويرها. لأنها ستظل تضيء دربنا نحو فهم أعمق للأدب والعالم من حولنا.

“سميح القاسم” … أديب وشاعر الثورة الفلسطينية”

يعكس الأدب تجربة وهويّة الشعب الفلسطيني منذ فترة طويلة، يتجلى هذا في شتى أشكال الكتابة الأدبية مثل الشعر، والرواية، والمسرح، والقصة القصيرة، وكان سميح القاسم أحد أبطالها.

 يعمل على استخدام اللغة، والأدوات الأدبية ليعبّرعن تفاصيل، ومشاعر الحياة، والنضال، والتحديات التي واجهها الشعب الفلسطيني، كما تعد قضية فلسطين المركزية في أعمال الأدب الفلسطيني. حيث يتناول الأدباء قضايا الاحتلال، والتهجير والهوية بأساليب متنوعة، حيث يُظهر معاناة الشعب الفلسطيني، ومعركته من أجل الحرية والعدالة.

يأخذ الأدب الفلسطيني أيضًا دورًا في الحفاظ على التراث، والثقافة الفلسطينية، فيسعى للحفاظ على الهوية والروابط مع التاريخ، والأرض، وذلك من خلال تناول المواضيع التراثية، والقصص التقليدية. وبفضل المبدعين، ينجح الأدب الفلسطيني في إلقاء الضوء على قضية الشعب الفلسطيني على الصعيدين الوطني والدولي، ويسهم في بناء وعي الجماهير، ونشر الوعي بحقوق الشعب الفلسطيني، وبهذه الطريقة يبقى الأدب الفلسطيني شاهدًا على مسار النضال، والأمل لهذا الشعب المستمر في مواجهة التحديات، والصراعات

وسط عالم الأدب العربي، يبرز اسم الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم كنجم ساطع ينير سماء الكلمة بألوان من الأمل والمعاناة، بألحان شعره القوية، وكلماته العميقة، استطاع سميح القاسم أن يخلق لنفسه مكانة متميزة في قلوب القرّاء وأذهانهم، تعبيرًا عن الفلسطينية، والإنسانية، تركّز أعماله الشعرية على تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني والنضال من أجل الحرية .

الحياة والمسيرة:

ولد “سميح القاسم” لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية. تعلّم في مدارس الرامة والناصرة، وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي .

 ” حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي “

مقولة القاسم التي جعلت منه شخصا أخر، حيث يروي أن والده كانَ ضابطاً برتبةِ رئيس في قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم، حينَ كانت العائلة في طريق العودة إلى فلسطين في القطار في غمرة الحرب العالمية الثانية، ونظام التعتيم. بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب. وخافوا أنْ تهتدي إليهم الطائرات الألمانية؛ وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى آن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثراً عميقاً في نفسه وقال هذه العبارة .

ارتبط مسمى شعر الثورة والمقاومة بالقاسم، حيث يتناول في شعره الكفاح، ومعاناة الفلسطينيين التي طالت، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة، واسعة في العالم العربي.

 ولم تهمد الملاحقة والاعتقال له حتى بالرغم من أن حبره هو الذي يحارب، فسُجن القاسم أكثر من مرة، ووُضِعَ رهن الإقامة الجبرية، والاعتقال المنزلي، وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل. في الوطن وخارجه.

 لم يمكث “سميح القاسم” طويلا حتى عمل معلماً، وعاملاً وصحفياً. وساهم في تحرير صحيفة الغد والاتحاد، لكن روحه الأدبية لم تهمد فعاد للعمل محرراً أدبياً في الاتحاد وسكرتيراً. فيما بعد أسس منشورات “عرسك في حيفا” مع الكاتب عصام خوري

الشاعر والقصائد:

يجسّد القاسم من خلال قصائده عمق الإحساس وروح النضال، مع كلماته التي تعبّر عن الألم، والأمل والحب للوطن، يتميز أسلوبه الشعري بالجمال والرقي، حيث يمزج بين الواقعية، والرمزية.

 ليصوغ قصائد تترك أثرًا عميقًا في نفوس القرّاء. تنتمي أغلب قصائد القاسم إلى فترة نضال الشعب الفلسطيني، وتتناول معاناة الشعب تحت الاحتلال وتهجيره، مع تسليط الضوء على الصمود والإصرار .

 أثرت قصائد سميح القاسم في الأدب العربي، والفلسطيني بشكل كبير، حيث أصبح صوتًا يعبّر عن مشاعر، وآمال الكثيرين، ولمدى شهرة قصائده وأعماله الأدبية تم ترجمة أكثر من قصيدة له للغة الفرنسية والانجليزية. والتركية، والروسية، والألمانية، والاسبانية، واليونانية، والتشيكية، والفارسية، والعبرية. كما حصد على العديد من الجوائز العالمية من دول كثيرة منها اسبانيا وفرنسا، وها نحن اليوم نحتفي بهذا الشاعر. ومن أفضل قصائده :

قصيدة الجنود:

” يا مرحبا.. جاءكم السلام نحن على الحدود
نحن على الحدود.. لا ننام
أكُفُّنا لصيقةٌ على مقابض الحديد
عيوننا ساهرةٌ.. تجود في الظلام “

قصيدة عروس النيل:

” فاستيقظوا يا أيها النيام..
ولْنبني السدود قبل دهمة الزلزال
تنبهوا.. بهذه الجدران
تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان
لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتي العذراء
لمن تبرّجونها ؟ “

قصيدة تعالي لنرسم معا قوس قزح:

” يوم ناديت من الشط البعيد
يوم ضمدت جبيني بقصيدة
عن مزاميري وأسواق العبيد
من تكونين؟ “

التأثير والإرث:

تاريخ سميح القاسم يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الفلسطينيين وتجربتهم في مواجهة الاحتلال، والتهجير، وإلى جانب هذا التاريخ الملحمي، يرسم إرثه خطًا مشرقًا في عالم الأدب، والثقافة العربية. حيث تتأثر الأجيال الجديدة بقصائده ورواياته المؤثرة .

 عاش سميح القاسم من طفولته في فترة تعرّض فيها الشعب الفلسطيني لتحديات كبيرة، كالتهجير في عام 1948 إلى الصراعات المستمرة، والواقع الذي يشاهده بكل حسرة، تشكلت شخصيته. وإبداعاته تحت ظروف صعبة، ما منحه قدرة فريدة على التعبير عن الألم. والأمل في قصائده. أما إرث القاسم فيتجاوز حدود الزمن والمكان، حيث بقيت أعماله الشعرية والروائية تستمر في لمس قلوب القرّاء عبر الأجيال، أثّر ذلك بشكل كبير على الأدب الفلسطيني، والعربي، حيث أصبح مرجعًا للنضال والثقافة. تعبر قصائده عن مشاعر الفقد، والصمود، وتجسّد روح العزيمة، والأمل في مواجهة الصعاب.

تحمل قصائد، وكتابات القاسم رسالةً قويةً عن القوة الإنسانية في وجه الظروف الصعبة، فهو يعلمنا بأن الكلمة، والفن يمكنهما تغيير الواقع، وتحفيز التغيير، تمثل أعماله التواصل بين الأجيال، وتركّز على قيم الحرية والعدالة، وبصفته شاعرًا وروائيًا، أسهم سميح القاسم في بناء وتعزيز الهوية الفلسطينية ونضالها. يستمر إرثه في إلهام الناس، مع مراعاة تاريخ الشعب، والقضية الفلسطينية كمصدر لإلهامه، وإبداعه .

ختاما:

يظهر القاسم واضحًا أنه ليس مجرد شاعر وكاتب. بل رمزًا للنضال والإبداع، وصوتًا يعبر عن معاناة وأمل شعبٍ كان يحمل عبء الاحتلال والتهجير. ترك القاسم وراءه إرثًا ثقافيًا وأدبيًا يمتد عبر الأجيال، والذي ما زال يستمر في تحفيز الأفكار والمشاعر.

قصائده العميقة ورواياته المؤثرة تركت بصمة في قلوب الناس. وساهمت في بناء الوعي الجماعي بالقضية الفلسطينية، وقضايا العدالة والحرية، تجسد أعماله التواصل بين الأجيال. وتركّز على القوة اللافتة للنظر للكلمة، والفن في التغيير والتحول.

 فسميح القاسم ترك بصمة فريدة في عالم الأدب العربي. حيث أصبحت أعماله مصدر إلهام للكتّاب والشعراء والمثقفين، تبقى أشعاره تجذب القلوب بجمال ألحانها، وقوة رسائلها تذكرنا إرثه دائمًا بأهمية استخدام الكلمة. والفن كأدوات للتعبير عن المشاعر. والتجارب، وكذلك لنشر الوعي والتأثير في المجتمع.

إبراهيم نصر الله … بين الكتابة و الشعر والأدب

تشق شخصيات الكثير من الأدباء، والكتّاب طريقها إلى قلوبنا، وعقولنا، وسط عالم يزخر بأعماق الفكر ولونيات الإحساس، بكلمات تحمل معها ثقل الكلمة وخفة الفكر، من بين هؤلاء الشخصيات التي ارتقت في عالم الأدب والثقافة بصمة إبداعية لا تُنسى هو الشاعر، والكاتب، والروائي إبراهيم نصر الله.

 الذي تتجلى في إبداعاته موهبةً فذّة، ورؤيةً فريدة، فنرى في زمن يعج بالتحولات، والتطورات، لا يزال للكلمة والفكر قوةٌ خاصة تستطيع أن تعبّر عن الإنسان، وترتبط بعمقه وإحساسه.

هنا تأتي القصائد، والكتب، والروايات لتؤكد على هذه القوة، وتجعلنا نعيش تجارب إنسانية متنوعة، تلامس أوجاعنا وأفراحنا وتضفي على حياتنا طعمًا خاصًا.

يُعدّ إبراهيم نصر الله من أوائل الكتّاب، والشعراء الذين نجحوا في توظيف هذه القوة بشكل فعّال، وُلد في تلك الأرض الخصبة للعلم والأدب.

منذ صغره برع في فهم عمق الحروف وقوة التعبير، لم تمر أعوامٌ طويلة حتى أظهر موهبته الشعرية النادرة، حيث تألق في تقديم قصائد تعبّر عن وجدان الإنسان وتجاربه المتعددة.

نشأة إبراهيم نصر الله :

ولد الشاعر والكاتب والأديب إبراهيم نصر الله عام 1954م في عمّان، وهو فلسطيني الأصل، هُجرت عائلته من قرية البريج الفلسطينية عام 1948م. لينتقل الى الأردن ” عمان “، فعاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين، وأكملها إلى أن حصل على دبلوم تربية، وعلم نفس من مركز تدريب عمان.

غادر إبراهيم نصر الله للسعودية بعد عامين، وعمل مدرسًا فيها، ولم يمكث طويلا حتى عاد الى عمان، وعمل في مجال الصحافة الأردنية للعديد من الصحف كصحيفة الدستور والأفق.

انضم أيضًا الى مؤسسة عبد الحمد شومان كمستشار ثقافيًا للمؤسسة، وعمل كمدير للأنشطة الأدبية في دار الفنون من عام 1996م وحتى 2006م، بعد ذلك تفرغ للكتابة التي أتحفنا بها برواياته، وبدء يخطو نحو طريق الكتابة، وانشغل به حتى أصبح ينتج أعمالاً أدبية حققت نجاحاً باهراً.

 تم ترجمة أعماله الأدبية إلى العديد من اللغات. بالإضافة إلى إصداره الكثير من الكتب في مجال النقد يعبر فيها عن تجربته، ورسالة الدكتوراه والماجيستير التي توضح خبرته التي استمدها من الجامعات الأجنبية والعربية.

مشوار إبراهيم نصر الله الأدبي

قسم مشوار إبراهيم الأدبي إلى العديد من المراحل الهامة، فكل مرحلة جعلت منه شخصاً أكثر نجاحاً منها : 

أولاً: أعماله المترجمة

نشر إبراهيم ستة عشر ديواناً شعرياً. واثنا وعشرين رواية حتى الآن، ومن ضمن هذه الروايات رواية بعنوان “الملهاة الفلسطينية” التي تتكون من اثنا عشر رواية توضح تاريخ فلسطين من 250 سنة، وأكثر من ذلك، حيث ترجمت خمسة من رواياته إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى ديوان شعري، وأربعة من كتبه إلى اللغة الإيطالية، كما تم ترجمة واحدة من رواياته إلى عدة لغات من ضمنها اللغة التركية، الفارسية، والدانماركية .

روح الفنان المعاصر حاضرة في عقل ابراهيم، فكان بارعاً في التصوير. وله القدرة على الرسم بشكل دقيق وطبيعي، هذا ما شجعه للقيام بمعارض للتصوير والتي بلغ عددها خمسة معارض .

أعماله الروائية

نشر نصر الله أول رواية بعنوان “براري الحمى” التي نالت شهرة واسعة، والتي يتردد صداها حتى الان، تم طباعتها عدة مرات على التوالي، كما ناقشها العديد من النقاد في الدراسة الأكاديمية والنقدية، ومنذ أربع سنوات تم اختيارها من ضمن أبرز 5 روايات، وتم ترجمتها إلى اللغة الدنماركية، حتى بعد مرور 26 سنة من تاريخ إصدارها كلفت “الغاردين البريطانية” الكاتب الأمريكي مات ريس باختيار هذه الرواية من أبرز 10 روايات أنتجت في العالم العربي.

أصدرنصرالله بعد الرواية الأولى العديد من الروايات التي لاقت الشهرة الواسعة. وبناءاً عليها بدأ في نشر التجربة الخاصة به في الملهاة الفلسطينية، فكان المشروع الأول عالمياً الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية.

أعماله الشعرية: 

كانت أعمال نصر الله عبارة عن تحولات شعرية، حيث كانت أول ثلاث دواوين له متشابهة من طول النص، لكن في ثالث ديوان وهو “أناشيد الصباح” أحدث تغيراً في تناول قصائده فكرة الإنسانية. بدأ يحتفي بالتفاصيل الهامة، وظهر ذلك في العديد من قصائده مثل قصائد نوافذ الحب.

 نشر بعدها ديوان شعر “نعمان يسترد لونه”، وكان هذا الديون سبباً هاماً في تحول مسيرته الأدبية، حيث لاقى ردود أفعال مختلفة وأثار النقاد، ولذلك تم منع نشر هذا الديوان بعد أن صدر بـ 14 عام في سنة 1998م.

قام نصرالله بتجربة كتابة القصائد القصيرة في أحد دواوينه؛ وكانت هذه الخطوة ذات تأثير كبير على الحركة العربية للشعر، هذا الديوان بعنوان “عواصف القلب”. وتلى هذا الديوان بعد مرور أعوام ديوان “شرفات الخريف”. بالإضافة إلى كتاب بعنوان “الموت والموتى” الذي تناول فيه التحدث عن الموت وتقديم 100 قصيدة فيه.

أرواح كليمنجارو

 تعتبر نقطة تحول في الأدب العربي المعاصر، تتميز الرواية بقصة مشوقة وأسلوب سردي عميق، وهي تطرح مواضيع عدة من خلال رحلة مجموعة من الأصدقاء إلى قمة جبل كليمنجارو.

تدور أحداث على متسلقي جبل كليمنجارو في تنزانيا التي كان بها نصرالله برفقة طفلين فلسطينيين. أحدهما معتصم أبو كرش الذي فقد ساقه وجزءاً من يده جراء قنبلة تلقفها رغماً عنه. بعدما اجتاحت منزله في قطاع غزة.

 والثانية ياسمين النجار من نابلس. وفقدت ساقها وفق العديد من الروايات في حادث سير. تحت عنوان “الصعود من أجل الأمل”، والتي تكللت بالنجاح في تسلق الطفلين الفلسطينيين والروائي وآخرين. الجبل الذي يقترب ارتفاعه من ستة آلاف متر، رافعين العلم الفلسطيني أعلاه.

 بعدها بأشهر، كان ثمة كثير من التساؤلات تتفاعل داخل نفس نصر الله، وإذا ما كان سيرصد الرحلة الجبلية الصعبة في عمل روائي، أو سردية ما. قبل أن يكشف في أيلول من العام نفسه. وخلال ندوة له ضمن فعاليات معرض عمّان الدولي للكتاب. بأنه قرر صياغة الرحلة في عمل روائي. بل وقرأ فصلاً منه. ومن هنا جاءت روايته “أرواح كليمنجارو”.

الملهاة الفلسطينية

“بينما كنا نتشرّبُ حكاياتِ الأمهاتِ والجدّاتِ

التي كنَّ يقُدْننا فيها، وبها. نحوَ النوم

نستعيدُ هذه الحكاياتِ في الكتابة،

في محاولة منا لإيقاظِ العالم!”

تنوع وتعدد في تقانات السرد الروائي. والملحمي تشهده روايات ملحمة الملهاة الفلسطينية. والذي يستند إلى أرضية تاريخية، وجغرافية، وحضارية، وثقافية صلبة.

جاءت روايات “الملهاة الفلسطينية” احتفالية بوح تهبط إلى روح الإنسان الفلسطيني من الداخل. لتكشف عن مأساته وأنّته، بغلاف سردي قلّ نظيره في روايات تجسد التجربة الحية العربية.

 فمشروع ” الملهاة الفلسطينية ملحمة روائية مؤلفة من شبكة روايات قد حظيت باهتمام نصر الله الإبداعي على أكثر من مستوى “تحكي قصة شعب عانى وأسى بلغة الحساسية. والهوامش، والتفاصيل اليومية البسيطة ” .

توثق روايات الملهاة الفلسطينية تاريخ فلسطين الرسمي وغير الرسمي. كرواية قناديل ملك الجليل. زمن الخيول البيضاء، طفل الممحاة، وزيتون الشوارع.

جوائز وتقديرات نصر الله

حصل نصر الله على عدة جوائز من بداياته الأدبية كجائزة عرار للشعر التي حصل عليها عام 1991م.3 جائزة تيسير سبول للرواية 1994م، وجائزة كتارا للرواية العربية عام 2016م عن رواية ” أرواح كليمنجارو “.

حلّ نصر الله ضيفا على كثير من المهرجانات الشعرية. والندوات الأدبية. والفنية التي عقدت في الكثير من البلدان العربية والأجنبية ومنها: الأردن، مصر، العراق، الإمارات العربية المتحدة. سورية. لبنان، الجزائر، السودان، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، كولومبيا. السويد. روسيا، كندا.

من خلال مشواره المثير في عالم الأدب. والشعر. والفكر. تبقى إسهامات إبراهيم نصر الله حاضرة في قلوب القرّاء. والمحبين للأدب العربي.

 إن إرثه المتنوع يظلّ مصدر إلهام للأجيال القادمة. إبراهيم نصر الله ليس مجرد كاتب أو شاعر أو أديب. بل هو أيقونة تستحق أن تُذكر وتُعرَّف لما قدمه لعالم الثقافة والأدب العربي.

دلال أبو آمنة…. صوت جمع بين الماضي والحاضر

دلال أبو آمنة…. صوت جمع بين الماضي والحاضر تعتبر الاغاني الفلسطينية انعكاس للتراث الثقافي الغني، والمشاعر العميقة للشعب الفلسطيني. لطالما كانت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من الحياة الفلسطينية، وتستخدم للتعبير عن أفراحهم وأحزانهم وتطلعاتهم، فضلاً عن نقل القصص. والتقاليد من جيل إلى آخر، تضم الأغاني الفلسطينية مجموعة متنوعة من الأشكال المتنوعة، تحمل في جوهرها قصصاً مختلفة.

ينسج تاريخ فلسطين لوحةً من التراث الثقافي الغني، والصمود الذي لا يتزعزع، يتردد صدى ألحان الأغاني الفلسطينية مع أصداء القرون الماضية، هذه الألحان الخالدة بمثابة شهادة على الروح التي لا تقهر، لشعب تغلب على المحن بقوة الكلمة والموسيقى.

من تلال الضفة الغربية المكسوة بالزيتون إلى شوارع غزة الصاخبة، كانت الأغاني الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية لأجيال، من خلال التقاليد الشفوية، حافظوا على قصص الحب، والضياع والشوق، والمقاومة التي تحدد الهوية الفلسطينية.

ارتباط فن دلال أبو آمنه بالقضية الفلسطينية:

لعب الفن دورًا عميقًا ومؤثرًا في القضية الفلسطينية، من خلال أشكال التعبير الفني المختلفة. استخدم الفلسطينيون إبداعهم لتسليط الضوء على نضالاتهم، والاحتفال بهويتهم الثقافية، ونقل تطلعاتهم إلى الحرية والعدالة وتقرير المصير>

يعتبر الفن بأشكاله المتعددة، أداة قوية لسرد القصص، والمقاومة والتضامن، وكان له دور فعال في السرد الفلسطيني للجمهور العالمي.

يوفر الفن منبراً للفلسطينيين للتعبير عن مشاعرهم، وإحباطاتهم وآمالهم، انه يعطي صوتًا لمن لا صوت لهم؛ مما يمكّنهم من مشاركة حقائقهم مع العالم. وتحدي الروايات السائدة التي غالبًا ما تهمش نضالاتهم، كما ويتعاون الفنانون الفلسطينيون مع الفنانين العالميين، ويشاركون في التبادلات الثقافية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات وبناء جسور التضامن، من خلال هذا التعاون يمكن للفن تجاوز الحدود. وتعزيز التعاطف، وربط الناس من خلفيات مختلفة بالقضية الفلسطينية.

 برزت الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة كنجمة صاعدة بصوتها الآسر وعروضها الآسرة، من قلب فلسطين الغنية بتاريخها، وثقافتها.

صوت دلال هو مزيج روحي من مشاعر الحب يتردد صداها لدى المستمعين ويلمس قلوبهم، لقد أكسبتها قدرتها الفريدة على نقل المشاعر الخام من خلال موسيقاها شهرة واسعة ليس فقط في فلسطين ولكن أيضًا بين الجماهير العالمية، غالبًا ما تعكس أغانيها نضالات وتطلعات الشعب الفلسطيني. وتستخدم موسيقاها كوسيلة لتسليط الضوء على المصاعب التي يواجها أبناء وطنها.

حياة دلال أبو آمنه:

ولدت دلال في التاسع من شهر أغسطس عام 1983م في مدينة الناصرة الواقعة شمال فلسطين، كان والدها يمتلك مطعمًا لبيع السمك في البلدة، ولديها أربع أخوات وهن: سلام ونداء وفاتن وجيهان، وتعمل جيهان وسلام في الغناء والفن أيضًا، أما فاتن ونداء تعملان في مجال الفنون البصرية. درست دلال في المعهد التقني الإسرائيلي في حيفا. وحصلت على الدكتوراه علوم الدماغ وفيسيولوجيا الأعصاب.

تعرفت دلال أبو آمنة على الطبيب والشاعر عنان عباسي في عام 2001م، كانت في طالبة في الثانوية حينها، وكان هو طالب طب في السنة الرابعة، وتزوجا بعد تخرجها، وأنجبت ولدين: لور وهشام، وتشير إلى أنها تتشارك الفن، والثقافة، والعلوم، والتوجهات الفكرية، والعلمية أيضًا.

بدايات دلال أبو آمنة الفنية:


نشأت دلال وسط أسرة تحب الفن، فقد كان والدها عازفا للعود، بدأت مسيرتها في مرحلة مبكرة من عمرها، ففي عام 1987م عندما كان عمرها 4 سنوات فقط شاركت في مسابقة أميرة الربيع. وحصلت على اللقب، ومن ثم بدأت بغناء الأغاني الوطنية، والشعبية في الحفلات المدرسية. والمناسبات الاجتماعية، والوطنية المختلفة منذ أن كان عمرها ثلاثة عشر عامًا.

 أتقنت دلال بعد ذلك أداء الأغاني التراثية الشامية، والفلسطينية، وشهد لها بجودة أدائها عدد من كبار الموسيقيين في العالم العربي، وعرف عنها أنها تجمع بين الأصالة، والحداثة في أغانيها. وقد شاركت في العديد من المهرجانات. وأصدرت الكثير من الأغاني.

مرونة الصوت وسط التوتر والصراع:

صمود الفنانة دلال أبو آمنة وهي صوت جمع بين الماضي والحاضر في مواجهة المحن دليل على قوة، وتصميم الشعب الفلسطيني ككل.

 نشأت دلال في منطقة تتسم بالتوتر السياسي، والصراع والاحتلال. وقد كانت رحلتها كفنانة مليئة بالتحديات. على الرغم من هذه العقبات. فقد أظهرت شجاعة ومثابرة لا تتزعزع. مستخدمة فنها كأداة قوية لإلهام الكثيرين، ولفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية.

تطورت مهنة دلال أبو آمنة وسط مشهد سياسي معقد. لا شك في أن التحديات التي يفرضها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ونقاط التفتيش، والقيود المفروضة على الحركة، وواقع الحياة اليومية في ظل الاحتلال، أثرت على مساعيها الفنية، ومع ذلك فقد ظلت ثابتة في التزامها بموسيقاها وشعبها.

احتضنت دلال دورها كسفيرة ثقافية. مستخدمة منصتها لنقل الرواية الفلسطينية. والتعبير عن تطلعات شعبها، على الرغم من مواجهة التحديات في نشر رسالتها إلى العالم الأوسع، إلا أنها سعت باستمرار إلى البحث عن فرص للأداء، والتعاون مع فنانين عالميين، وبناء جسور التفاهم والتعاطف.