شخصية جحا من الشخصيات المثيرة للجدل ولا نستطيع تأكيد مصدر هذه الشخصية. بسبب تعدد الروايات والحكايات عنها. يرى العقاد أن جحا يعبر عن جوهر فلسفة الضحك لدى الشعوب العربية والإسلامية، ليطرح سؤالاً بعد تتبع تاريخ الضحك في الكتب الدينية والتراث. قائلاً: “أكانت شخصية حقيقية أم نسجاً من الخيال.
لكن جحا جعل في مخيلتنا صورة للفيلسوف البسيط المتناقض ما بين الحكمة. والبلاهة حتى جعل الانسان في حيرة من امره هل هذا ذكاء ام أنها من السذاجة والغباء.
جحا على مر العصور:
شخصية جحا ذكرها مؤرخون قدامى كرجل مثقف، وحكيم وعالم فطن من رواة الحديث النبوي، بينما وصفه آخرون بالحمق والغباء، ورأى البعض أنه رجل عربي، وآخرون أكدوا أنه تركي أو فارسي، بل انتقلت الشخصية إلى دول أوروبا الوسطى وأخذت ملامح أوروبية جديدة.
نسبت شخصية جحا إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة سنتعرف عليها في هذا المقال.
شخصيات جحا:
كل الشعوب، والأمم صمّمت لها جحا خاصاً بها بما يتلاءم مع طبيعة الأمة، وظروف الحياة الاجتماعية فيها، ومع أن الأسماء وشكل الحكايات تختلف، ولكن شخصية جحا الذكي البارع الذي يدعي الحماقة وحماره لم تتغيّر. وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا، وملا نصر الدين في ايران، وغابروفو بلغاريا المحبوب، وارتين أرمينيا صاحب اللسان السليط، وارو يوغسلافيا المغفل، وجوخا في إيطاليا ومالطا.
ويتبين من هذا أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، مما يدل أنها كونت شخصياتها بناءً على شخصية دجين العربي الذي سبقهم. إلى درجة أن الطرائف الواردة في كتاب “نوادر جحا”. (أي جحا العربي) المذكور في فهرست ابن النديم (377هجري)، هي نفسها مستعملة في نوادر الأمم الأخرى، ولم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية مما يدل على الأصل العربي لهذه الشخصية.
جحا العربي:
هو رجل تابعي يدعى دُجين بن ثابت الفزاري، عاش 100 عام. يلقب ابا الغصن، تشير المصادر انه ولد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وقد قضى شطر حياته في الكوفة، وتوفي بها عام 160 هجري أيام خلافة أبي جعفر المنصور، وأورد جلال الدين السيوطي في كتابه ” ان امه كانت تعمل خادمة لأنس بن مالك وقد كان يلقب بجحا.
كان ظريفاً، ويغلب عليه السماحة وصفاء السريرة. وايضا يغلب عليه الفطنة والذكاء ولكن الغالب عليه التغفيل لكن يقال إن الكثير من القصص المنسوبة حوله هي مكذوبة في واقع الأمر، ولهذا لا ينبغي لاحد ان يسخر به”.
توظيف الشخصية:
هذا يدل على أن شخصية جحا تم توظيفها منذ البدايات على مستويين، الأول كان يدفعها لصالح الفطنة والحكمة. وحلّ القضايا الاجتماعية بأسلوب ساخر ينم عن الذكاء، والمستوى الثاني يدل على مصالح السلطة التي قامت على نقد جحا وتحويله إلى مثال للغباء والبلاهة.
وبين هاتين الصورتين كان جحا يصعد نجمه في المستوى التخيلي والأسطوري ليصبح شخصية معقدة من حيث البنى التركيبية، بحيث يمكن تقليبه وفق كافة المناظير التي اكتسب عبرها بعده العميق والنادر. ما حافظ عليه إلى اليوم، إذ لا تكاد ثمة شخصية أكثر محافظة على دورها الاجتماعي لدى الشعوب المسلمة أكثر منها.
وبحسب الإمام الذهبي فقد وصف أبا الغصن جحا بأنه كان من العقّال، وقال عنه “ما رأيت أعقل منه”. ويروى أنه كان يمزح في أيام شبابه، وعندما كبر وشاخ أصبح مصدراً للحكمة، والرسوخ العميق. ولعل هذا قد يكشف أيضاً التدرج في هذه الشخصية بحسب مراحل عمرها. ما جعل طرائف جحا تُبنى على طبقات مختلفة من الوعي الجمالي والأخلاقي والمعرفي، يوازي تدرج الحكمة ومساراتها لدى الإنسان مع نمو الذات وتقدم السن.
وتشير روايات أخرى أن دجين كان فقيهاً، وقال النسائي: “لعل التجريح قد جاء مما نسب إليه من نوادر وفكاهات لا تليق براوي حديث”، وبالتالي كثير من القصص قد انتحلت عليه، جراء الخصومات السياسية في تلك الأيام، وأن الرجل وقع فريسة المكايدات بين أهل الكوفة والبصرة في تلك العصور.
جحا التركي:
هو التركي نصر الدين خُوجة المعروف بجُحا الأتراك أو جحا الرومي. ولد في قرية صغيرة تدعى خورتو عام 605 هجري وتولى بها القضاء. وكان معلماً وفقيهاً وقاضياً وكان من الزهّاد، حيث عمل في فلاحة الأرض وكان يحتطب بنفسه رغم مكانته كعالم وقاضٍ.
كان كريماً شكّلت داره محطة للعابرين من الغرباء وأهل الدار من الفلاحين، وبين هذا وذاك كان يعمل على تعليم الفقه. وله حلقة بها أكثر من 300 تلميذ وكان لهذا يلقب بـ المعلم، وتوفي عام 683هـ .
أما ربطه بالسخرية والنوادر فيعود إلى أسلوبه في الموعظة التي كان يصوغها في قالب النكتة. والنوادر الظريفة. كانت تحدث صدى في قلوب الناس، وأحبوها ولم تخصم من شخصيته بل كانت إضافة لها.
قد يكون نصر الدين خوجة قد اكتسب لقب جحا بناء على التصور الذهني المسبق في التراث الإسلامي. فإذا كانت الشخصية حاضرة من قبل، فلا بد أنه ولاستخدامه النوادر والطرائف شُبّه بجحا الأول الذي ورد ذكره عند الجاحظ. ولعب خوجة أو جحا التركي كذلك عبر دوره كقاضٍ، أدواراً اجتماعية تحسب له في مساندة الكثير من الناس وردّ مظالمهم، متخذاً ذكاء طابعه الموعظة والطرافة، ومستفيداً من موهبته في هذا الجانب.
نوادر جحا:
من أبرز النوادر والطرائف التي تم توثيقها لجحا هي:
الحمير تعرف بعضها: وهذه الجملة قالها جحا عندما كان راكباً حماره وناداه أحد الرجال الذين مر بهم وأخبره بأنه عرف حماره ولم يعرفه، فما كان من جحا إلا أن رد عليه قائلاً إنّ الحمير تعرف بعضها.
هاتها تسعة ولا تزعل: رأى في منامه أن شخصاً أعطاه تسعة دراهم بدلاً من عشرة كان يطلبها منه فاختلفا. ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعوراً. فلم ير في يده شيئاً، فتكدر ولام نفسه على طمعها. ولكنه عاد فاستلقى في الفراش وأنزل تحت اللحاف ومد يده إلى خصمه الموهوم قائلا: هاتها تسعة ولا تزعل.
دعوة بدليلها: وادعى الولاية، فسأله السامعون عن كرامتها. فقال: أتريدون مني كرامة أعظم من علمي بما في قلوبكم جميعًا؟
قالوا: وما في قلوبنا؟
قال: كلكم تقولون في قلوبكم إنني كذاب!
الخجل:
شعر جحا بوجود لص في داره ليلاً، فقام إلى الخزانة واختبأ بها، وبحث اللص عن شيء يسرقه فلم يجد فرأى الخزانة فقال: لعلّ فيها شيئاً ففتحها وإذا بجحا فيها، فاختلج اللص ولكنه تشجع وقال: ماذا تفعل هنا أيها الشيخ؟ فقال جحا: لا تؤاخذني فإني عارف بأنك لا تجد ما تسرقه ولذلك اختبأت خجلاً منك.
الخاتمة:
قدمنا لكم اليوم من خلال موقعنا موضوع عن أشهر الشخصيات المعروفة في عالم القصص سواء للكبار أو الصغار، وهي شخصية جحا.
من البديهي أن ما صدر عن جحا من تراث لا يمكن أن يكون قد أتى من شخص واحد. وبالتالي فهو تجميع لعصور مختلفة فطرائفه تحمل سمات العصر الأموي، والعباسي والعثماني، من أبو جعفر المنصور إلى عصر تيمورلنك.
كذلك فإن تنوع القصص ومواقفها يعني أن الطرائف أنتجت من شخصيات متنوعة وفي ظروف متباينة
حسب الإطار الزماني والمكاني للنكتة أو الطرفة.
فجحا شخص حقيقي وليس مجرد شخصية خيالية كما يظن الكثيرين. وهو شخص فقير وبسيط لكنه كان معروف بمواقفه المضحكة، والكوميدية، وبسبب كثرة هذه المواقف فقد تم تحويلها الى قصص تروى،
واليوم اصبحت قصص جحا جزءا لا يتجزأ من عالم قصص الاطفال فلا يوجد طفل لا يحب سماع قصص جحا. وما تحويه من طرائف ومواقف مضحكة جدا.