يعكس الأدب تجربة وهويّة الشعب الفلسطيني منذ فترة طويلة، يتجلى هذا في شتى أشكال الكتابة الأدبية مثل الشعر، والرواية، والمسرح، والقصة القصيرة، وكان سميح القاسم أحد أبطالها.
يعمل على استخدام اللغة، والأدوات الأدبية ليعبّرعن تفاصيل، ومشاعر الحياة، والنضال، والتحديات التي واجهها الشعب الفلسطيني، كما تعد قضية فلسطين المركزية في أعمال الأدب الفلسطيني. حيث يتناول الأدباء قضايا الاحتلال، والتهجير والهوية بأساليب متنوعة، حيث يُظهر معاناة الشعب الفلسطيني، ومعركته من أجل الحرية والعدالة.
يأخذ الأدب الفلسطيني أيضًا دورًا في الحفاظ على التراث، والثقافة الفلسطينية، فيسعى للحفاظ على الهوية والروابط مع التاريخ، والأرض، وذلك من خلال تناول المواضيع التراثية، والقصص التقليدية. وبفضل المبدعين، ينجح الأدب الفلسطيني في إلقاء الضوء على قضية الشعب الفلسطيني على الصعيدين الوطني والدولي، ويسهم في بناء وعي الجماهير، ونشر الوعي بحقوق الشعب الفلسطيني، وبهذه الطريقة يبقى الأدب الفلسطيني شاهدًا على مسار النضال، والأمل لهذا الشعب المستمر في مواجهة التحديات، والصراعات
وسط عالم الأدب العربي، يبرز اسم الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم كنجم ساطع ينير سماء الكلمة بألوان من الأمل والمعاناة، بألحان شعره القوية، وكلماته العميقة، استطاع سميح القاسم أن يخلق لنفسه مكانة متميزة في قلوب القرّاء وأذهانهم، تعبيرًا عن الفلسطينية، والإنسانية، تركّز أعماله الشعرية على تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني والنضال من أجل الحرية .
الحياة والمسيرة:
ولد “سميح القاسم” لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية. تعلّم في مدارس الرامة والناصرة، وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي .
” حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي “
مقولة القاسم التي جعلت منه شخصا أخر، حيث يروي أن والده كانَ ضابطاً برتبةِ رئيس في قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم، حينَ كانت العائلة في طريق العودة إلى فلسطين في القطار في غمرة الحرب العالمية الثانية، ونظام التعتيم. بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب. وخافوا أنْ تهتدي إليهم الطائرات الألمانية؛ وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى آن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثراً عميقاً في نفسه وقال هذه العبارة .
ارتبط مسمى شعر الثورة والمقاومة بالقاسم، حيث يتناول في شعره الكفاح، ومعاناة الفلسطينيين التي طالت، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة، واسعة في العالم العربي.
ولم تهمد الملاحقة والاعتقال له حتى بالرغم من أن حبره هو الذي يحارب، فسُجن القاسم أكثر من مرة، ووُضِعَ رهن الإقامة الجبرية، والاعتقال المنزلي، وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل. في الوطن وخارجه.
لم يمكث “سميح القاسم” طويلا حتى عمل معلماً، وعاملاً وصحفياً. وساهم في تحرير صحيفة الغد والاتحاد، لكن روحه الأدبية لم تهمد فعاد للعمل محرراً أدبياً في الاتحاد وسكرتيراً. فيما بعد أسس منشورات “عرسك في حيفا” مع الكاتب عصام خوري .
الشاعر والقصائد:
يجسّد القاسم من خلال قصائده عمق الإحساس وروح النضال، مع كلماته التي تعبّر عن الألم، والأمل والحب للوطن، يتميز أسلوبه الشعري بالجمال والرقي، حيث يمزج بين الواقعية، والرمزية.
ليصوغ قصائد تترك أثرًا عميقًا في نفوس القرّاء. تنتمي أغلب قصائد القاسم إلى فترة نضال الشعب الفلسطيني، وتتناول معاناة الشعب تحت الاحتلال وتهجيره، مع تسليط الضوء على الصمود والإصرار .
أثرت قصائد سميح القاسم في الأدب العربي، والفلسطيني بشكل كبير، حيث أصبح صوتًا يعبّر عن مشاعر، وآمال الكثيرين، ولمدى شهرة قصائده وأعماله الأدبية تم ترجمة أكثر من قصيدة له للغة الفرنسية والانجليزية. والتركية، والروسية، والألمانية، والاسبانية، واليونانية، والتشيكية، والفارسية، والعبرية. كما حصد على العديد من الجوائز العالمية من دول كثيرة منها اسبانيا وفرنسا، وها نحن اليوم نحتفي بهذا الشاعر. ومن أفضل قصائده :
قصيدة الجنود:
” يا مرحبا.. جاءكم السلام نحن على الحدود
نحن على الحدود.. لا ننام
أكُفُّنا لصيقةٌ على مقابض الحديد
عيوننا ساهرةٌ.. تجود في الظلام “
قصيدة عروس النيل:
” فاستيقظوا يا أيها النيام..
ولْنبني السدود قبل دهمة الزلزال
تنبهوا.. بهذه الجدران
تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان
لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتي العذراء
لمن تبرّجونها ؟ “
قصيدة تعالي لنرسم معا قوس قزح:
” يوم ناديت من الشط البعيد
يوم ضمدت جبيني بقصيدة
عن مزاميري وأسواق العبيد
من تكونين؟ “
التأثير والإرث:
تاريخ سميح القاسم يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الفلسطينيين وتجربتهم في مواجهة الاحتلال، والتهجير، وإلى جانب هذا التاريخ الملحمي، يرسم إرثه خطًا مشرقًا في عالم الأدب، والثقافة العربية. حيث تتأثر الأجيال الجديدة بقصائده ورواياته المؤثرة .
عاش سميح القاسم من طفولته في فترة تعرّض فيها الشعب الفلسطيني لتحديات كبيرة، كالتهجير في عام 1948 إلى الصراعات المستمرة، والواقع الذي يشاهده بكل حسرة، تشكلت شخصيته. وإبداعاته تحت ظروف صعبة، ما منحه قدرة فريدة على التعبير عن الألم. والأمل في قصائده. أما إرث القاسم فيتجاوز حدود الزمن والمكان، حيث بقيت أعماله الشعرية والروائية تستمر في لمس قلوب القرّاء عبر الأجيال، أثّر ذلك بشكل كبير على الأدب الفلسطيني، والعربي، حيث أصبح مرجعًا للنضال والثقافة. تعبر قصائده عن مشاعر الفقد، والصمود، وتجسّد روح العزيمة، والأمل في مواجهة الصعاب.
تحمل قصائد، وكتابات القاسم رسالةً قويةً عن القوة الإنسانية في وجه الظروف الصعبة، فهو يعلمنا بأن الكلمة، والفن يمكنهما تغيير الواقع، وتحفيز التغيير، تمثل أعماله التواصل بين الأجيال، وتركّز على قيم الحرية والعدالة، وبصفته شاعرًا وروائيًا، أسهم سميح القاسم في بناء وتعزيز الهوية الفلسطينية ونضالها. يستمر إرثه في إلهام الناس، مع مراعاة تاريخ الشعب، والقضية الفلسطينية كمصدر لإلهامه، وإبداعه .
ختاما:
يظهر القاسم واضحًا أنه ليس مجرد شاعر وكاتب. بل رمزًا للنضال والإبداع، وصوتًا يعبر عن معاناة وأمل شعبٍ كان يحمل عبء الاحتلال والتهجير. ترك القاسم وراءه إرثًا ثقافيًا وأدبيًا يمتد عبر الأجيال، والذي ما زال يستمر في تحفيز الأفكار والمشاعر.
قصائده العميقة ورواياته المؤثرة تركت بصمة في قلوب الناس. وساهمت في بناء الوعي الجماعي بالقضية الفلسطينية، وقضايا العدالة والحرية، تجسد أعماله التواصل بين الأجيال. وتركّز على القوة اللافتة للنظر للكلمة، والفن في التغيير والتحول.
فسميح القاسم ترك بصمة فريدة في عالم الأدب العربي. حيث أصبحت أعماله مصدر إلهام للكتّاب والشعراء والمثقفين، تبقى أشعاره تجذب القلوب بجمال ألحانها، وقوة رسائلها تذكرنا إرثه دائمًا بأهمية استخدام الكلمة. والفن كأدوات للتعبير عن المشاعر. والتجارب، وكذلك لنشر الوعي والتأثير في المجتمع.