مدينة القدس تاريخ عريق ومحاولات مستمرة للسيطرة عليها

تحتل مدينة القدس العريقة مكانة خاصة في قلوب الملايين حول العالم. حيث تعتبر مدينة مقدسة ذات تاريخ طويل وثقافة غنية ومتنوعة تمتد لآلاف السنين. لذلك جذبت القدس منذ القدم الباحثين عن الروحانية والمؤرخين وعلماء الدين، وكانت محط إعجاب الفنانين والشعراء الذين وصفوها بأبهى الألوان، وأعذب العبارات.
تعد القدس مركزًا ثقافيًا، ودينيًا، وتاريخيًا فريدًا في العالم. حيث تحتضن المدينة أهم الأماكن المقدسة أقدمها أكثرها تنوعاً حول العالم. هذه المواقع تجسد الروحانية والتسامح والتعايش السلمي بين الأديان المختلفة.
وتظل القدس وجمالها وروحها الفريدة أشياء لا يمكن لإنكارها. يكفي مشاهدة المدينة القديمة بأزقتها الضيقة وأسوارها القديمة العالية، التي تأخذك في رحلة عبر الزمن. حيث تشع القدس بألوانها، والروائح، والأصوات التي تحمل ضمنها قصصًا قديمة وأملًا للمستقبل.

موقع مدينة القدس:

المعالم الأولى لمدينة القدس ظهرت على منطقة تلال الظهور التي تُطلّ على منطقة سلوان جنوب شرق المسجد الأقصى. وترتفع حوالي 800 متر فوق سطح البحر. أمّا مساحتها فتقدر 125.1 كيلومتر مربع.
تقع مدينة القدس في وسط فلسطين، حيث تبعد ما يقارب ال 60 كيلو متر شرق البحر الأبيض المتوسط، أما للبحر الميت فهي تقع غربه وتبعد عنه حوالي 30 كيلومتر، وتقع على بعد 250 كيلومتر شمال البحر الأحمر، أما بعدها عن الدول المجاورة، فتب عن دمشق 290كيلوا متر من الجهة الجنوبية الغربية، وعن بيروت ما يقارب 388 كيلومتر، أماعن عمان فتبعد 88 كيلومتر غربها.

تاريخ مدينة القدس:

يعود تاريخ بناء مدينة القدس إلى الألف الرابع قبل الميلاد، حيث بناها العرب اليبوسيين؛ أي قبل عصر سيدنا إبراهيم عليه السلام بواحد وعشرين قرناً. وأيضاً قبل ظهور اليهودية التي هي شريعة موسى عليه السلام بسبعة وعشرين قرنا”.
كما وتذكر المصادر التاريخية، عن أن الملك اليبوسي ويدعى “ملكي صادق” هو أول من بنى يبوس أو القدس. ويقال أنه أُطلق عليه “ملك السلام” وذلك لأنه كان محباً للسلام، ومن هنا جاءت تسمية المدينة وقد قيل أنه هو من سماها
“بأور سالم” بمعنى “مدينة سالم”

عهد الكنعانيين:

أما عن العرب الكنعانيون فقد سكنوا فلسطين منذ عصور ما قبل التاريخ تحديداً في الألفية الثامنة قبل الميلاد، حيث قاموا باستصلاح الأرض وزراعتها وبناء البيوت فيها، وهذا النظام لم يكن متداولاً في تلك الفترة، وقد تم العثور على آثار وأدوات زراعية تعود لفترة لم يكن فيها اليهود أصلا، وهذا يدلل أن هناك سكانا سبقوا الجميع في الحياة على هذه الأرض.
وقد تعرضت مدينة القدس لاحتلال وتدمير وإعادة بناء عدة مرات، وكانت تحت حكم العديد من الحضارات، والإمبراطوريات مثل المسيحيين الصليبيين، والمسلمين العرب، والدولة العثمانية.

الاحتلال المختلف الذي مر على مدينة القدس:

بالإضافة إلى الأبعاد الدينية والتاريخية والسياسية، تعتبر القدس أيضًا مركزًا ثقافيًا وسياحيًا هامًا. يقصدها الملايين من الزوار سنويًا لاستكشاف المواقع التاريخية والدينية والاستمتاع بجمالها الطبيعي وثقافتها المتنوعة.
مدينة القدس لها تاريخ طويل ومعقد من الاحتلال والسيطرة الأجنبية. فيما يلي نظرة عامة على بعض الفترات الرئيسية للاحتلال التي مرت بها مدينة القدس عبر التاريخ:

الاحتلال البابلي:

(586-537 ق.م) احتل الملك البابلي نبوخذ نصر المدينة ودمر الهيكل الأول، الذي كان المركز الروحي والديني للشعب اليهودي

الاحتلال الفارسي:

(538 ق.م) سيطر الفرس على القدس بعد هزيمة البابليين، واستمر الاحتلال الفارسي حتى الفترة الرومانية

الاحتلال الروماني:

في العام (63 ق.م) احتل الرومان المدينة وأعادوا بنائها، وتم تحويلها إلى مستوطنة رومانية تحت اسم “إيليا كابيتولينا”.

الاحتلال البيزنطي:

في القرون الرابع والخامس، كان الإمبراطور البيزنطي يحكم القدس وأقام العديد من الكنائس والمعابد المسيحية في المدينة

الفتح الإسلامي:

في العام 636، تم استعادة القدس من البيزنطيين بواسطة الجيوش الإسلامية بقيادة الخليفة عمر بن الخطاب. وتحولت القدس إلى مركز ديني هام في الإسلام، حيث تم بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة على يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

الاحتلال الصليبي:

في العام 1099، احتل الصليبيون المدينة خلال الحملة الصليبية الأولى وشنوا مذابح واسعة النطاق ضد السكان في المدينة

الاحتلال الأيوبي والمماليكي:

في العقود التالية، تعاقبت الدول الإسلامية الأيوبية والمملوكية على السيطرة على القدس وحمايتها من الصليبيين.

الاحتلال العثماني:

في العام 1517، سيطر العثمانيون على القدس واستمروا في السيطرة على المدينة لمدة نحو أربعة قرون.

الاحتلال البريطاني:

بعد الحرب العالمية الأولى، احتلت بريطانيا فلسطين بما في ذلك القدس، وأصبحت السلطة الانتدابية حتى 1948.

الاحتلال الإسرائيلي:

في عام 1948، جرت حرب عربية_ إسرائيلية، ونتج عنها تقسيم القدس، حيث سيطرت إسرائيل على الغربية وقسمتها إلى قسمين الغربي والشرقي. وفي عام 1967، شنت إسرائيل حرب احتلت خلالها القسم الشرقي من القدس، بما في ذلك البلدة القديمة والأماكن المقدسة.

كما هو معروف، للمدينة المقدسة “القدس” تاريخ طويل. قد تكون هناك العديد من الأسماء التي أطلقت على القدس عبر العصور. هنا بعض الأسماء القديمة المعروفة للقدس:

⦁ يبوس :هو الاسم الذي استخدمه الكنعانيون للمدينة قبل أن يتم الاستيلاء عليها من قبل الملك داود ويصبح عاصمة لمملكة إسرائيل القديمة.

⦁ “أورشاليم: هو الاسم الذي أطلقه الملك داود بعد أن أخذ المدينة من اليبوسيين وجعلها عاصمة للمملكة الإسرائيلية القديمة.

⦁ إيليا كابيتولينا: كان هذا هو الاسم الذي أطلقه الإمبراطور الروماني هادريان على المدينة بعد تدميرها في القرن الثاني الميلادي وإعادة بنائها بشكل جديد كمستوطنة رومانية.

⦁ بيت المقدس: هو الاسم الذي أطلقه المسلمون على القدس بعد الفتح الإسلامي للمدينة في القرن السابع الميلادي.

⦁ القدس العليا : هذا هو الاسم العربي الحديث للقدس الذي يستخدم في العصر الحديث والمعاصر.

هذه بعض الأسماء المعروفة التي تم استخدامها للقدس على مر العصور. يجب ملاحظة أن هناك المزيد من الأسماء التي تم استخدامها في الأوقات المختلفة والتي قد تختلف بين الثقافات والحضارات المختلفة التي سيطرت على المدينة على مر العصور.

سور القدس وأبوابها:

بني سور القدس في العهد الكنعاني، وأخذ شكل الشبه منحرف حيث يبلغ محيطه 2ميل ونصف أما طوله فيبلغ 2086قدماً من الشمال، ومن الجنوب 3245 قدم ومن الشرق 2754ومن الغرب 2086لكنه تعرض إلى الخراب عدة مرات، حتى جاء السلطان سليمان القانوني العثماني وأمر بإعادة بناءه على شكله الموجود السور حاليا ورصد لإعماره كل عائدات ضرائب فلسطين لمدة خمس سنوات، وله أربعة وثلاثون برجا وأشهرها برج الكبريت واللقلق

أورشاليم: هو الاسم الذي أطلقه الملك داود بعد أن أخذ المدينة من اليبوسيين وجعلها عاصمة للمملكة الإسرائيلية القديمة.

للسور سبعة أبواب مفتوحة وأربعة أبواب مغلقة:

تعود إلى فترات مختلفة. تم استخدام هذه الأبواب على مر العصور كمداخل رئيسية للمدينة ومعابر للسكان والزوار. إليك بعض الأبواب الشهيرة في القدس:
⦁ باب العامود: يقع في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة القديمة ويُعتبر المدخل الرئيسي للمسلمين إلى المسجد الأقصى.
⦁ باب الساهرة: حيث يقع إلى الجانب الشمالي على بعد نصف كيلو متر شرقي باب العمود وبناءه بسيط، حيث يرجع إلى عهد السلطان سليمان القانوني، ويسمى أيضاً باب “هيرودوتس”.
⦁ باب الخليل: يقع في الجهة الجنوبية للمدينة القديمة ويسمى أيضًا باب الخان. يشتهر بالمعمار العثماني ويتميز بقوس كبير.
⦁ باب الحديد: يقع في الجهة الشمالية للمدينة القديمة ويُعد المدخل الرئيسي للمسيحيين. يُعرف أيضًا بباب دمشق.
⦁ باب الأسباط: يقع في الجهة الغربية للمدينة القديمة ويسمى أيضًا باب حطة. يعود تاريخ هذا الباب إلى العصور القديمة.
⦁ باب المغاربة: يقع في الحائط الجنوبي لسور القدس وهو عبارة عن قوس قائم ضمن برج مربع ويعتبر أصغر أبواب القدس.
⦁ باب النبي داوود: وهو باب كبير منفرج أنشأ في عهد السلطان سليمان القانوني ويسمى أيضا باب صهيون.

الأبواب المغلقة لمدينة القدس:

1-باب الرحمة : يقع الباب في الحائط الشرقي على بعد 200متر إلى الجنوب من باب الأسباط يؤدي مباشرة إلى الحرم وتمت تسميته بالباب الذهبي لجماله، أغلقه العثمانيين بسبب ما انتشر بين الناس حينها بأن الفرنجة سيعودون ويحتلون مدينة القدس من هذا الباب.
2-الباب الواحد: يقع هو أيضاً في الحائط الجنوبي، حيث يعلوه قوس يؤدي إلى الحرم مباشرة، بني زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
3-الباب المثلث : يقع في الحائط الجنوبي، يتكون من ثلاث أبواب يكل منها يعلوه قوس يؤدي إلى الحرم مباشرة، بني زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
 4-الباب المزدوج: يقع في الحائط الجنوبي ويتكون من بابين يعلو كل منهما قوس يؤدي إلى الحرم مباشرة، بني زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

أهم المواقع الدينية والأثرية في القدس:

تتميز القدس بوجود العديد من المواقع الدينية المهمة. ففي الجزء الشرقي من المدينة يقع المسجد الأقصى، وهو ثالث أقدس مكان في الإسلام بعد مكة والمدينة المنورة. وفي الجزء الغربي من المدينة يقع الجبل الأبيض، الذي يضم الكنيسة القديسة القبر المقدس والمسجد الأقصى. بالإضافة إلى العديد من المعالم الحضارية والأثرية التي تعكس تاريخها العريق وتراثها المتنوع.

وفيما يلي بعض المعالم الحضارية والأثرية المهمة في مدينة القدس:

⦁ الكنيسة القديمة: توجد العديد من الكنائس القديمة في القدس، بما في ذلك كنيسة القيامة وكنيسة القديسة آنا وكنيسة القديس يعقوب وغيرها. تعتبر هذه الكنائس محطات مهمة للحج والزيارة للمسيحيين من جميع أنحاء العالم.
⦁ المسجد الأقصى: يُعتبر المسجد الأقصى واحدًا من أبرز المعالم الإسلامية في العالم. يعتبر المسجد الأقصى الثالث في الأهمية بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة. يقدس المسجد الأقصى في الإسلام كونه المكان الذي رُفع فيه الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج.
⦁ الحي اليهودي القديم: يتكون الحي اليهودي القديم من شبكة ضيقة من الشوارع والأزقة والساحات التي تضم العديد من المعابد، والمتاجر، والمنازل التي تعود للعصور الوسطى والعصور الحديثة. يُعتبر الحي اليهودي القديم مقصدًا سياحيًا رئيسيًا في القدس.
⦁ قلعة داود: تعد قلعة داود واحدة من أبرز المعالم التاريخية في القدس. تم بناء القلعة في القرن الثاني عشر الميلادي وقد تم استخدامها على مر العصور كقصر وحصن وسجن. اليوم، تحتوي القلعة على متاحف ومعارض تعرض تاريخ المدينة.
⦁ حائط البراق: يُعتبر هذا الحائط من الأماكن الإسلامية المقدسة وجزءاً من الحرم الشريف، حيث أن يحيط الحرم من الناحية الغربية. ويبلغ ارتفاعه 56 قدما، كما ويصل طوله 156 قدما. وهو مبني من حجارة قديمة ضخمة يبلغ طول بعضها 16 قدما، أطلق عليه المسلمين اسم البراق نسبة إلى براق سيدنا محمد الذي ربطه به يوم الاسراء والمعراج.
⦁ المتحف الإسلامي: يقع غربي قبة الصخرة، وهو عبارة عن مبنى صغير يحتوي على مجموعة رائعة من الأدوات، والمصاحف المقدمة كهدايا للحرم على مر العصور، وتوجد فيه أيضاً مخطوطات قرآنية من حقب تاريخية مختلفة. هذا وتعتبر معروضات المتحف فريدة من نوعها وذات أهمية وقيمة تراثية عالية.

تُعد هذه المعالم فقط نماذج مختارة من الثروة الحضارية، والأثرية في مدينة القدس. هناك المزيد من المعالم التي يمكن استكشافها في المدينة، بما في ذلك الشوارع الضيقة، والأسواق القديمة، والمتاحف، والمقابر التاريخية والقصور القديمة. تاريخ القدس طويل ومعقد، وتشتهر المدينة بتنوع ثقافاتها وتراثها الديني الغني، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا هامًا للزوار من جميع أنحاء العالم.

ختاماً:

عبر تاريخها العريق، شهدت القدس تواجد العديد من الشعوب والثقافات والأديان، مما أضفى عليها تنوعاً ثقافياً وتاريخياً لا يضاهى. فهي تعتبر رمزاً للتعايش السلمي والتسامح بين الأديان المختلفة، وهي محطة للصلاة والتأمل للمسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء.
ومع ذلك، تبقى القدس محورًا للصراعات والتوترات السياسية والدينية. فهي تجسد الأمل والوحدة للبعض، وفي الوقت نفسه تثير الغضب والانقسام لآخرين. لكننا يجب أن نتذكر أن القدس تنتمي للجميع.
فلنحافظ على القدس بكل ما تحمله من قيمة ومعنى، ولنتعلم منها دروس الصمود والتسامح والتلاحم. إنها مهمة نبيلة تتطلب تضافر جهود العرب والمسلمين جميعًا. فلنتعاون وندعم بعضنا البعض، ولنبني جسور التعاون بين فئات الشعب الفلسطيني، فمن خلال ذلك فقط سنستطيع أن نعطي القدس ما تستحقه من محبة واحترام، ونجعلها مدينة الأمل والسلام للعالم بأسره بعد أن تتحرر من الاحتلال وبالتالي نحقق ما نحلم بها جميعًا.

13 فكرة عن “مدينة القدس تاريخ عريق ومحاولات مستمرة للسيطرة عليها”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *