سجل أنا عربي … قصيدة محمود درويش التي ولدة مرتين

أثار إلقاء أبيات قصيدة “سجل أنا عربي” على موجات إذاعة الجيش الإسرائيلي سخط الإسرائيليين على جميع المستويات، لا سيما السياسية منها.

هاجم على إثرها وزير الدفاع الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان” الإذاعة التي تتبع للجيش. وزعم أن قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش تصب الزيت على النار؛ بالتشجيع على ما وصفه بـ “الإرهاب” ضد الكيان الإسرائيلي.

واستدعى ليبرمان مدير الإذاعة لتوبيخه، في حين دافعت إدارة الإذاعة عن بثها القصيدة، كما هاجم عدد من وزراء حكومة نتنياهو الإذاعة ونعتتها بأشد العبارات، فيما قالت مصادر مقربة من نتنياهو. إن إذاعة الجيش الإسرائيلي هي المحطة العسكرية الوحيدة في العالم التي تتميز بالحماقة بتوفيرها منصة لأعداء إسرائيل.

التعريف بالقصيدة:

كتب الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش قصيدة سجّل أنا عربي، وهي من أهمّ القصائد الوطنيّة، نُشرت في ديوانه الثاني “أوراق الزيتون” الصادر عام 1964م، عدد أبيات القصيدة 66 بيتًا تتوزّع على ستة مقاطع، وهي نوع من الشعر الحر الذي يعتمد على تفعيلة مفاعلتين.

حيث كتبها لأوّل مرة عندما كان عمره 15 عامًا باللغة العبرية، ليردّ على العسكري الذي سأله عن قوميته، لكنّه أعاد إصدارها بالعربية بعد 25 عامًا في بيروت، بعد القصف الإسرائيليّ عليها، وشعوره بأنّ الفلسطينيّ غريب عن لبنان.

كانت القصيدة الأولى صيحَةً ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ. أما إلقاؤها مرة ثانية، فكان بسبب الحرب الأهلية التي رأت في الوجود الفلسطيني في لبنان أمرًا مُنكرًا، بالإضافة إلى أن أبيات قصيدة سجّل أنا عربي التي تُعدّ من أهم القصائد الوطنيّة.

قصة قصيدة سجل أنا عربي:

بدأت هذه القصة عندما ذهب محمود درويش، وهو شاب إلى وزارة الداخلية لكي يجدد بطاقة هويته، فكان هناك موظف يهتم بتقديم الطلبات مثل تعبئة تاريخ الميلاد، ومكان السكن وغيرها، فسألهُ: ما هي قومتيك؟ فرد عليه: “عربي” وعاود السؤال لمحمود درويش وكان بنبرة استنكار، فرد عليه: سجل أنا عربي.

 خرج محمود درويش من وزارة الداخلية، وقد دارت هذه الكلمات في باله، فبدأ بتنظيم قصيدة على قصاصة ورق وهو عائد إلى البيت، فالقصيدة هذه تشبه الاستمارة التي تم تعبئتها عند الموظف.

وقد كتبت سجل أنا عربي بالعبرية ككتابة أولى، ومن ثم أعاد شاعرنا ترجمتها باللغة العربية، وانتشرت عربياً وفلسطينياً لتنال حيزاً واسعاً على ساحة الشعر الحر.

 كما أن القصيدة كتبت رداً على الموظف الإسرائيلي؛ فأصبح يحشد في القصيدة كل ما يغيظ هذا الموظف، وصار يطور بطاقة هويته الشخصية لتصبح بطاقة هوية جماعية فذكر فيها الشّعر الأسود. وأيضاً كفه كالصخر وذكر أيضاً عدد أولاده ثمانية. فكانت قصيدة يصف فيها الموقف.

القصيدة التي طاردت صاحبها:

كان محمود درويش ذاته قد توقف مبكراً عن قراءة هذه القصيدة في أمسياته الشعرية، رغم مطالبة جمهوره بها، إذ بدا له من غير المنطقي أن يصرخ «سجل أنا عربي» بين العرب، فقد كانت حين كتبها قصيدة مواجهة. وكان المخاطب فيها هو الصهيوني الإسرائيلي. وليس العربي أساساً. غير أن على المرء أن يعترف أن لهذه القصيدة تاريخاً. وأن تاريخها جزء من تاريخ المنطقة. بل إنه جزء من تاريخ الأمة في الحقيقة.

انطلاقة القصيدة وانتشارها:

كان محمود متشككاً في ما إذا كانت القصيدة شعراً حقاً، كان معجباً بها في ما يبدو. لكنه كان يدرك بشكل ما أن فيها مشكلة، أو أن فيها ما يجعلها بين الشعر واللاشعر، ثم جاءت أمسية 1963 في الناصرة، وهناك قرأ محمود عدة قصائد. فصفق له الجمهور بشدة. وطلب منه أن يقرأ قصائد أخرى. لكن حسب قوله، لم يكن لديه إلا ورقة «سجل أنا عربي» في جيبه. فأخرجها من جيبه وقرأها.

ولم يكن يدري حين بدأ بقراءتها أنه يفجر قنبلة: «وحدث ما لم أكن أتوقعه. شيء يشبه الكهرباء شاع في الجو، حتى أن الجمهور طلب مني إعادة القصيدة ثلاث مرات».

مسار قصيدة الشاعر..

وكانت تلك الأمسية حدثاً حاسماً في مسار محمود درويش الشعري، بل في مسار الشعر الفلسطيني أيضاً، لا يمكن فهم هذين المسارين من دون هذه الواقعة، والحق أن محمود درويش تمعن جيداً في معنى هذه الحادثة لاحقاً: «أقول لك بصراحة: من قرر أن هذه قصيدة هم الناس وليس أنا، هم الذين قالوا لي: هذا شعر»  وفي هذه الجمل، يلتقط محمود الحقيقة التي طبعت الشعر الفلسطيني من منتصف الستينات إلى منتصف الثمانينات على الأقل، حقيقة أن الشعر لم يكن في ذلك الوقت صناعة فردية فقط، بل صناعة جماعية, فالناس الذين مسّتهم الكهرباء. هم الذين قرروا أنّ «سجل أنا عربي» شعر, الناس هم الذين حكموا، فتدخّل الناس كان حاسماً في تعريف الشعر.

يقول محمود إنه التقط في هذه القصيدة «مكبوتاً بسيطاً جداً» عند الناس وعبّر عنه، فاندمج الشاعر بالجمهور، واندمج الشعر بالناس، لكنني أعتقد أن الأمر يتعدى البساطة الظاهرية، كان عالم الفلسطينيين كله في ذلك الوقت. أي حوالي منتصف الستينات، يتجه نحو نقطة انفجارية. أما محمود فقد وقف فوق هذه النقطة. وفجر القنبلة وكانت القنبلة جملة موقعة: “سجّل أنا عربي”

حياة أخرى للقصيدة:

على كل حال، لنعد إلى قصيدة «سجل أنا عربي». فقد قدِّر لهذه القصيدة أن تعيش حياة جديدة. قدر ها أن تنفجر مثل القنبلة من جديد فبعد هزيمة عام 1967م. حيث انتشرت القصيدة مثل قدحة نار في الهشيم، وهكذا قدر لهذه القصيدة أن تمسك باللحظة من جديد. لكنها أمسكت بها هذه المرة وحدها من دون تدخل درويش ذاته لقد أفلتت من بين يديه وتدحرجت كعربة نارية. لم تعد تهتم بشاعرها لم يعد وجوده يهمها.

الخاتمة: تبقى سجل أنا عربي علامة فاقة في تاريخ محمود درويش الشعرية، ومصدر إلهام شعري لكل من قرأها وأمعن في معاني كلماتها، ومهما تغيرت الظروف وتبددت الأحداث التي كتبت خلالها القصيدة، إلا أن سجل أنا عرب ستبقى شاهداً على الأحداث. وقوة رفض للظلم لا يستهان بها. بالإضافة إلى أن الجميع في فلسطين والوطن العربي كله أكد على تأثيرها. والتف حول كلماتها.

1 فكرة عن “سجل أنا عربي … قصيدة محمود درويش التي ولدة مرتين”

  1. مصطفى حنفيش الملا منصور

    لا تراجع ولا استسلام
    سجل…. انا عربي
    سجل…. انا عربي
    سجل…. انا عربي…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *