الطفولة …. ما بين الماضي والحاضر 

 الطفولة بسنواتها الأولى المحسوبة من عمر الانسان، محط اهتمام لا ينضب، فمنذ بداية الإنسانية كانت هذه المرحلة المهمة تُشكل جذور شخصيتنا، وتؤثر بشكل عميق في مسارات حياتنا المستقبلية، هي فترة من النمو، والتطور، والاستكشاف.

 حيث يكتسب الأطفال المعرفة، والمهارات التي ترافقهم طوال حياتهم، والتفاعل هو سمة مميزة للطفولة، تتربع الفضولية، والقدرة على الاكتشاف أهم سماتها، فهذه الفترة تعبر عن اللحظات الأولى التي ندخل فيها إلى عالم المعرفة، والتجارب، ومع مرور الزمن تأخذنا بأيدينا الصغيرة نحو فهم العالم من حولنا، من خلال لمس، وتذوق، ورؤية، واستماع.

كيف كانت الطفولة قديما:

الطفولة قديمًا كانت أكثر صعوبة، وتحديًا مقارنةً بالوقت الحالي، كان الأطفال يُعَامَلون عادةً على أنهم جزء من القوى العاملة، وكانوا يشاركون في أعمال المزرعة، أو الحرف اليدوية من سن مبكر، لم يكن هناك الكثير من الوقت للعب والاستمتاع، وكان يُتوقع منهم المساهمة في مساعدة الأسرة في البقاء على قيد الحياة ، حيث كان يُتوقع منهم المساهمة في دعم الأسرة اقتصاديًا وإعالة عائلة بأكملها، ليندثر الصبي بين المواشي لإطعامهم وتنظيف مكانهم في حين ورزاعة الأرض وحراثتها في حين أخر ، في المقابل تندثر الفتاة بين التنظيف وتعلم الطبخ وتنظيف أقدام أبيها وإخوتها ومن ثم ترحل إلى حياة أخرى مشابهة بل وأكثر اندثار من حياة عائلتها لتتزوج وتنجب الأطفال وتغرق في دوامة لا راحة بها .

عدم توفر التعليم الشامل كان أيضًا سمة ملحوظة للطفولة القديمة، قد يكون التعليم محدودًا أو غير متاح تمامًا للأطفال في الطبقات الفقيرة أو في المجتمعات التي لم تولِ اهتمامًا بتطوير التعليم وبالأخص الفتيات، حيث كانت فقط للعمل والخدمة المنزلية وكان من العيب أن تخرج الى المدرسة والدراسة، وغالبًا ما يتم توجيه الأطفال لتعلم المهارات التي يحتاجونها في حياتهم اليومية وفي العمل، فلم يتم تطبيق حقوق الطفل التي أقرتها قوانين والتي أوجدتها الطبيعة .

وسط عالمٍ تكنولوجي متسارع التطور، يمتلك الإنترنت القوة لربط القارات والأجيال عبر زمن ومكان، يستحق جيل التسعينات أن يأخذ لحظة ويتأمل في تلك السنوات البريئة التي مر بها، إنهم الجيل الذي نشأ وتربى وسط انفجار الثقافة الشعبية والابتكارات التكنولوجية الرائجة، كانت طفولتهم مليئة بالذكريات الزاهية، تلك الذكريات التي مازالت تلهب شغفهم وتلوّن تفكيرهم حتى هذه اللحظة .

شهدت تلك الفترة تزاوجًا بين الألعاب التقليدية والعالم الرقمي، حيث كان يوم الجلوس أمام التلفاز ينافسه يوم متابعة مغامرات الشخصيات الرقمية على الشاشة، كانت للأغاني الساحرة والموسيقى الملهمة دورًا مؤثرًا في تشكيل ذاكرة تلك الفترة، حيث يمكن لإيقاع وكلمات أغنية أن تعيد الجيل إلى لحظات انطلاقهم في عالم الذكريات، فلا يمكن النظر إلى طفولة جيل التسعينات دون مراعاة التحولات الاجتماعية التي شهدوها وعاشوها، فقد شهدوا تغيرًا في نمط العائلة، وتطورًا في القيم والتفضيلات. مما أثر على طريقة تشكيلهم لذاتهم. لكن مع كل هذه التغيرات لا تزال طفولتهم تشكل نجمًا يضيء طريقهم في عالم متسارع الحركة ومتغير باستمرار .

حقوق الطفل :

تحركت المنظمات الدولية وأصدرت مجموعة من الحقوق التي تهدف إلى حماية وتعزيز مكانة الأطفال كأفراد ذوي كرامة وقيمة، تمثل هذه الحقوق مجموعة من المبادئ والقوانين التي تسعى لضمان حياة صحية وآمنة وكريمة للأطفال، وتوفير فرص تعليمية وتنموية تساهم في تطوير إمكانياتهم ومستقبلهم .

أحدث تطور هام في مجال حقوق الطفل كان اعتماد “اتفاقية حقوق الطفل” من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه الاتفاقية تحدد مجموعة شاملة من حقوق الأطفال، بما في ذلك حقوق الحماية من جميع أشكال الاستغلال والعنف، وحق الحياة والصحة والتعليم، وحق التعبير عن آرائهم، وحق المشاركة في القضايا المؤثرة على حياتهم، هذه الاتفاقية وغيرها من القوانين والتشريعات تهدف إلى تحقيق مصلحة الطفل أولًا وقبل كل شيء. وتؤكد على أهمية توفير بيئة آمنة وتعليمية وداعمة للأطفال لضمان نموهم وتطورهم بشكل صحيح .

الألعاب التقليدية والأنشطة الخارجية للأطفال :

تطورت البيئة قليلا لتسمح للفتيات والفتيان بممارسة طفولتهم والشعور بحس الطفولة، ولعبت الألعاب التقليدية دورًا مهمًا في حياة الأطفال في هذه المرحلة، كانت هذه الأنشطة تعزز التفاعل الاجتماعي، تطوير المهارات، وتعزز من الإبداع والتفكير المنطقي. من بين هذه الأنشطة:

الألعاب التقليدية:

مثل الكرة، والدُّبابات، والغميضة، والجاكارو، والطيَّاخة. هذه الألعاب تساهم في تنمية مهارات الحركة، التنسيق، والتفكير الاستراتيجي .

اللعب بالهواء الطلق:

مثل ركوب الدراجات، واللعب في الحدائق، والمشي، والجري. هذه الأنشطة تساعد على تعزيز اللياقة البدنية والصحة العامة .

الرسم والصناعات اليدوية:

تشمل صنع الحرف اليدوية. والرسم بالألوان المائية أو الألوان الزيتية، تعزز هذه الأنشطة الإبداع والتعبير الفني .

قراءة القصص:

تعتبر القصص والكتب مصدرًا هامًا لتوسيع المعرفة وتطوير مهارات القراءة والتفكير النقدي .

الأنشطة الرياضية:

مثل ممارسة ألعاب الكرة، والسباحة، والتزلج، تعزز هذه الأنشطة اللياقة البدنية وتعلم مهارات رياضية .

تلك الأنشطة كانت تساهم في بناء الشخصية والتفاعل الاجتماعي للأطفال قديمًا، كما كانت تقدم لهم تجارب مع الطبيعة والثقافة المحلية .

تتجاوز الطفولة حدودها السابقة في ساحة لا تعرف الهدوء ولا تتوقف عن الحركة،  وتسير بخطى واثقة نحو عالم جديد مليء بالتقدم والتطور، فلم يعد الطفل مجرد جنين في جوف الوقت، بل أصبح شخصية فاعلة في العصر الحديث.

بصفة غير مسبوقة. تشهد الطفولة تحولًا مذهلاً، حيث يُلقَى الضوء على أهميتها وحقوقها بشكل أكبر من أي وقت مضى، عبور العقود يكشف لنا عن مسيرة التطور التي غيّرت وجه الطفولة بشكل جذري، فمع تقدم التكنولوجيا والعلوم، يتاح للأطفال اليوم فرص للتعلم والاكتشاف تفوق ما كان ممكنًا في الماضي، الألعاب التفاعلية والتطبيقات التعليمية تسهم في توسيع آفاقهم وتنمية مهاراتهم بأساليب مبتكرة وملهمة. إضافة إلى ذلك ترتكز مفاهيم التربية الحديثة على تشجيع التفكير النقدي وتنمية مهارات حيوية مثل القيادة والتواصل.  الأطفال يتعلمون اليوم بأساليب متعددة، ترتكز على التفاعل والتجربة العملية، فعلى صعيد الثقافة والمجتمع. تأثرت الطفولة بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، نمط الحياة السريع والمعلومات السهلة الوصول أثرت على نمط اللعب والتفاعل الاجتماعي، لكنها في الوقت ذاته أوجدت تحديات جديدة تتطلب اهتمامًا خاصًا من الأهل والمجتمع. من بيئة اللعب والتعلم إلى الروح الرياضية والتكنولوجيا. شهدت الطفولة تحولات مذهلة وغيرت بشكل إيجابي وجهها. فالتقدم والتطور ليسا فقط حقيقة بل هما جزء من الهوية الجديدة للطفولة، وتحمل وعدًا لمستقبل أكثر إشراقًا وإبداعًا .

التكنولوجيا والإنترنت:

تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين تحمل معها فرصًا هائلة للتواصل والتعلم، ولكنها أيضًا تطرح تحديات عديدة عندما يتعلق الأمر بتأثيرها على الأطفال، هذا التأثير يمتد إلى مختلف جوانب حياتهم من تطور اللعب إلى تكوين العلاقات الاجتماعية والتعلم، هنا بعض الجوانب الرئيسية لتأثير التكنولوجيا على الأطفال :

التعلم والتعليم:

استخدام التكنولوجيا في التعليم يمكن أن يجعل عملية التعلم أكثر تفاعلية وشيقة، فالتطبيقات التعليمية وموارد الإنترنت توفر محتوى تعليمي متنوع ومبتكر. وتساعد الأطفال على فهم المفاهيم بطرق مختلفة .

التفاعل الاجتماعي:

قد يؤثر الاعتماد المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الرقمية على القدرة على التواصل وبناء العلاقات الاجتماعية في العالم الحقيقي، وقد يتسبب في الانعزال أو تقليل التفاعل الوجهًا لوجه .

الصحة البدنية:

قد يزيد الجلوس المطول أمام الشاشات من نسبة الحياة الجلوسية ويقلل من مستويات النشاط البدني، مما يؤثر على اللياقة البدنية والصحة العامة للأطفال .

السلوك والانضباط:

بعض الأطفال يمكن أن ينشأ لديهم اعتماد زائد على التكنولوجيا. مما يؤثر على ساعات النوم، وقت الوجبات، وأداء المهام الضرورية الأخرى .

الإبداع والتفكير:

استخدام التكنولوجيا بشكل متساهل قد يؤثر على القدرة على التفكير الإبداعي وحل المشكلات، حيث يمكن أن يؤدي التعويض عن التفكير النقدي بالبحث السريع على الإنترنت إلى تقليل التحديات والاستمتاع بالاكتشاف .

للتوازن بين استخدام التكنولوجيا والاستفادة من العوائد الإيجابية. يهم توجيه الأطفال نحو استخدام مسؤول للتكنولوجيا، وتوفير وقت كافي للأنشطة البدنية والاجتماعية والإبداعية التقليدية .

تغير أساليب التربية

شهد نمط العائلة وأساليب التربية تغيرات كبيرة على مر العقود، كانت في السابق الأمهات غالبًا ما تبقى في المنزل للعناية بالأطفال وإدارة المنزل، لكن مع التطورات الاقتصادية زادت مشاركة الأمهات في العمل خارج المنزل، مما أثر على التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، كما تغيرت التوجهات نحو دور الآباء في رعاية الأطفال والمشاركة الأكبر في تربيتهم. وهذا يشمل مساهمة أكبر في الأعمال المنزلية والرعاية اليومية .

تطورت مفاهيم التربية لتشمل أساليب تشجيع الاستقلالية وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال، وتحفيز التعلم النشط والاستكشاف على العكس تماما من التسلط الفكري الذي كان يغزوهم قديما، كما ظهرت مجموعة متنوعة من النهج التربوية، بدءًا من التعليم المنزلي والتعليم الذاتي وصولًا إلى الاهتمام بالتعليم الناجح والتفكير الإيجابي .

تلك التغيرات تعكس تطور المجتمع والثقافة على مر الزمن وكيف تؤثر على العائلة وأساليب التربية والعلاقات الأسرية .

ختاما، من القدم حتى التطور ندرك مدى أهمية الطفولة في بناء الأسس الأولى لحياتنا، فهي ليست مجرد مرحلة مرورية، بل هي فترة حاسمة ترسم ملامح هويتنا وتنمّي مهاراتنا وقيمنا، منذ العصور البدائية وحتى العصر الحديث، شهدت الطفولة تحولات ضخمة. انطلقت من فترة ليست منقولة واكتسبت مكانة أكبر في العالم اليوم. كانت تلك الرحلة مليئة باللحظات المبهرة من اللعب في الحقول الخضراء إلى الاكتشافات الرقمية في عصر التكنولوجيا .

الطفولة هي المغامرة الأولى التي نخوضها، ومهما كان الزمن الذي نعيشه أو التقنيات التي نستخدمها، فإن جوهرها يبقى ثابتًا. إنها فترة نمو وتعلم واكتشاف. تمهّد لمستقبل أكثر إشراقًا، لذا فلنسعى دائمًا إلى تقديم بيئة آمنة وتعليمية ومحفزة للأطفال. تمكنهم من تحقيق إمكاناتهم وبناء أسس حياة ناجحة وملهمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *