البطيخ رمز… ابدعه الفلسطيني للمقاومة

 يحدث اليوم وكل يوم رقابة وإكراه، حذف. وتغيير في المحتوى الفلسطيني. وأي رمز يشير إلى فلسطين. وتولد أمامه رموز، وطرق للمقاومة لم تخطر من قبل على بال أحد “البطيخ كرمز، وعلى غرار التحايل على قوانين مواقع التواصل الاجتماعي التي تلاحِق حق التعبير بالحذف، والإغلاق، فتنشأ حيل من بينها تطبيقات الكتابة غير المنقطة، وسواها الكثير. ابتُكرت على مرّ سنين النضال الفلسطيني أشكالٌ وصور.

البطيخ رمز المقاومة:

يروي الفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور (صاحب لوحة “جمل المحامل” الشهيرة). في مقابلة قديمة، كيف حوصر الفن التشكيلي تحت الاحتلال الإسرائيلي، كيف صودرت ملصقاتهم. وكيف تدخّل الاحتلال حتى في وضّع الألوان.

 يروي منصور حادثة قد تكون هي ما أسس لاستخدام البطيخ رمز للمقاومة لرمز؛ في الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، ومن ثم في بعض التظاهرات الأخيرة حول العالم تضامناً مع المنتفضين في حي الشيخ جراح وفي مدينة القدس: “تم استدعاؤنا من قبل سلطات الاحتلال. وقرأوا علينا أوامر تتعلق بالممنوعات الإسرائيلية المتعلقة باللوحات والأعمال الفنية الفلسطينية. ومن بينها حظر رسم ألوان العلم الفلسطيني (الأبيض، والأسود، والأحمر، والأخضر)، وأكدوا أن أي لوحة تتضمن هذه الألوان. حتى لو كانت تعرض بطيخاً. ستجري مصادرتها.”

وعلى ما يبدو، فإن مثال البطيخ كرمز لم يكن مجرد زلّة لسان. وقد قوبل بالتكريس في الانتفاضة الأولى من قبل المنتفضين الفلسطينيين المحارَبين، والمطارَدين حتى أبعد تفاصيل حياتهم.

حكاية البطيخ كرمز يستعيدها المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري في كتابه “اللغة والمجاز” عام 2002 فيقول: “عند مرور القوات الإسرائيلية يقوم الفلسطينيون بقَطْع بطيخة إلى نصفين، ثم يرفعون أحد النصفين، وكل لبيب بالإشارة يفهم. إذ إنه سيرى ألوان البطيخة المقطوعة، فهي حمراء. وقشرتها خضراء وبيضاء وبذورها سوداء، وهي ألوان العلم الفلسطيني. لكن هناك ما هو أفظع من ألوان العلم، على ما يشير المسيري: “ولعل عملية قطع البطيخة في حدّ ذاتها تذكّر المستعمر الإسرائيلي بأشياء كريهة أخرى يقال لها إرهابية،.. وهو سلاح لا يمكن للعدو مصادرته، وإن فعل سيغدو أضحوكة العالم. وهو سلاح اقتصادي للغاية يمكنك أن تأكله بعد أن تناضل به.”

رمز البطيخة أعيد إحياؤه في التظاهرات العالمية الأخيرة المتضامنة مع فلسطين. ففي بلاد يمنع فيها رفع العلم الفلسطيني، أو يشكل خطراً على حَمَلَته، رفعت لافتات عليها رسم البطيخة بالألوان إياها، على ما ذكر الفنان خالد حوراني. المقيم في رام الله، في صفحته في “فايسبوك.

حوراني أشار إلى الحكاية بسببٍ من مساهمته هو خصوصاً بعمل تشكيلي، فهو كان قد استعار، على ما يقول، “من هذا الضابط (في حكاية سليمان منصور) فكرةَ العمل، ليس إعجاباً بخياله المريض. وإنما تخليداً لمنعه”. وأشار إلى أنه أنتجَ لوحة البطيخة-العَلَم لمشروع أطلس فلسطين الذاتي في العام 2007م، كما شارك في أكثر من معرض حول العالم.

العلم الفلسطيني:

العلم الفلسطيني، بحسب مقال منشور في موقع وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا). مكوّن من “اللون الأسود، وهو لون إحدى رايتين كانتا تُرفعان في عهد النبي محمد، الأولى سوداء والثانية بيضاء، أما أول لواء رفع في الإسلام فهو لواء أبيض. كما أخذ العباسيون الراية السوداء لواء لهم.

 أما اللون الأخضر فإن الفاطميين رفعوه في إشارة لولائهم لعلي بن أبي طالب. الذي تلحّف بغطاء أخضر لمّا نام في فراش الرسول. أما اللون الأبيض فإن الأمويين اتخذوه راية تذكيراً براية معركة بدر. أما اللون الأحمر فقد حمله الفاتحون المسلمون لشمال أفريقيا والأندلس”.

يرجع التصميم الحالي للعلم للشريف الحسين كرمز للثورة العربية، لذلك يعود لأكثر من بلد عربي، بالإضافة إلى كونه علم “حزب البعث”. وإن كان بترتيب أو تنسيق مختلف، ورمزيات ودلالات يرجع لها كل بلد حسب رؤيته وتوجهاته. والمشترك الوحيد رمزيته كشعار استقلال الدولة ووجودها ككيان أممي.

البطيخ رمزيته وفوائده:

لعلها سعادة كاملة أن يصبح البطيخ مرجعاً للعَلَم، حتى لو تجاهلتْه الصحف العربية باعتباره شعبياً لا يليق بموائد رسمية. أو ارستقراطية كالتفاح على سبيل المثال (على حدّ تعبير المسيري أيضاً) وقد لا يليق بنظرها أن يكون رمزاً نضالياً، بل إن مجرد لفظ اسمه قد يثير الضحك.

 لكن بالإضافة إلى فوائده، وشعبيته، وسهولة توافره ومهامه الصيفية المختلفة (تغدَّى وتسلى وعشّي حمارك. كما تقول الحزّورة)، أنظر هذه الغزلية من الفنان التشكيلي المصري عادل السيوي: “ذلك الأحمر المبهج والفريد أحمر البطيخ الذي يشعّ من نسيجه الرطب، تخترقه نقاط سوداء ويتدرّج حتى يصنع حيزاً أبيض لينفصل برشاقة عن القشرة الخضراء، إنها حفلة ألوان يا أصدقائي لم أكن أبحث في تلك البطيخة عن الأحمر الذي اعتدته. وإنما عن ضرورة وشرط يعلنه الباعة.

الخاتمة:

تعتبر المقاومة جزء لا يتجزأ من تاريخ شعبنا الفلسطيني وقضيته، التي اتخذت كل الأشكال الممكنة للدفاع عن حقها. والحصول على حريتها، حتى شملت المقاومة كل الوسائل المسلح منها والناعم. واستطاعت تحقيق فعل الصمود رغم قسوة التحديات وكثرتها. ويبقى البطيخ بنصفه الذي يحمل ألوان العلم جزء أصيل من مقاومة اتخذت كل الوسائل المتاحة والممكنة. جيرت كل الإمكانات لتقف بوجه الاحتلال الإسرائيلي. وسيضل الابداع صفة أساسية استطاعها شعبنا رغم كل تهميش وحظر وحصار وتنكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *