اكتشاف القهوة…. رحلة طويلة امتدت عصوراً جابت العالم

على مر السنين ورائحة القهوة مع نكهتها الغنية تمتزج مع لحظات الاجتماع والاستمتاع. وهي واحدة من المشروبات الاكثر شهرة؛ واستهلاكا في العالم.

إنها ليست مجرد مشروب ساخن بل إن رحلة اكتشاف القهوة جابت العالم، وقدمت لنا تجربة ثقافية واجتماعية تمتزج فيها النكهات والروائح والمحادثات اضافة الى انها نافذة الى بلدان مختلفة، وطريقة للتواصل والاسترخاء.

الاصل اللغوي:

دخلت كلمة “coffee” اللغة الإنجليزية في عام 1582، وقد كانت هذه المصطلحات موضع خلاف. إلا إنه لا يستخدم اسم قهوة للحب أو النبات (منتجات المنطقة) والتي تعرف في اللغة العربية باسم بُن وفي (لغة) أورومو (بَن) تنطق بالفتح.

وفي بعض الأحيان تعزى كلمة قهوة إلى الكلمة العربية قوى («القوة، الطاقة») أو إلى كافا مملكة القرون الوسطى في اثيوبيا حيث تم تصدير هذا النبات إلى الجزيرة العربية.

باللغة العربية لفظ القهوة مشتق من الفعل قها ويقال أقْهَى فلانٌ: دام على شُرْب القهوة أي ارتدَّت شهوتُه عنه من غير مرض، بينما يخبرنا المعجم الوسيط بأن الفعل أقْهَى يعني دام على شُرْب القهوة. أي داوم على شرابها واعتاد عليها. وفي العربية ترد في الشعر والأدب ثلاثة أشربة باسم القهوة هي القهوة شراب البُن المغلي واللبن والخمر.

متى تم اكتشاف القهوة:

من المعتقد أن أجداد قبيلة الأورومو في أثيوبيا، ينسب لهم اكتشاف القهوة وتعرف على الأثر المنشط لنبات حبوب القهوة، وظهر أقرب دليل موثوق به سواء على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن. في منتصف القرن الخامس عشر، في الأديرة الصوفية في اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، وقد انتشرت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن ومصر وشبة الجزيرة العربية، عند حلول القرن الخامس والعشرون، وصلت إلى أرمينيا وبلاد تركيا وشمالي افريقيا وفارس. وقد انتشرت القهوة من العالم الاسلامي إلى إيطاليا ثم إلى الباقي من أوروبا وأندونيسيا والأميركتين.

يتم إنتاج ثمار البن التي تحتوي على حبوب القهوة عن طريق عدة أنواع من الشجيرات ذات الخضرة الدائمة الموجودة بشجر البن.

أسس زراعة القهوة:

والقهوة هي في الحقيقة ثمرة تتكون من زهرة ذات لون أبيض، وتشبه إلى حد كبير أزهار نبتة الياسمين التي تتسم بالحساسية العالية، إذ أنها تستمر بذرتها ليوم واحد أو أكثر من ذلك بكثير.

تزرع بذور القهوة عموماً في أحواض كبيرة في المشاتل المظللة. بعد إنبات البذور تتم إزالة الشتلات الصغيرة لزراعتها في التربة المخصصة لها. ومن المهم سقاية الشتلات في البداية بماء وفير، كما يجب أن تبقى الشتلات مظللة من أشعة الشمس الساطعة، حتى يتم غرسها بشكل كافي في التربة، وبشكل دائم.

 الزراعة غالباً ما تحدث بعد سقوط الأمطار، بحيث تكون التربة ما زالت رطبة، في حين تصبح البذور راسخة.

خلال موسم زراعة القهوة يجب أن تتعرض الأشجار لأشعة الشمس بطريقة منظمة، بحيث لا تكون ساطعة كثيراً، ولا مظللة تماماً، وتستغرق الأشجار من ثلاث إلى أربع سنوات حتى تؤتي ثمارها، وحينما تُصبح الحبوب جاهزة للحصاد يتحول لونها للأحمر.

هناك عدّة أماكن تستهوي تربتها ومناخها زراعة القهوة ونجاحها فيها، منها: اليمن، غينيا. البرازيل، مناطق شرق أفريقيا، أرخبيل إندونيسيا، أمريكا الوسطى، وهاواي.

طرق حصاد القهوة:

يتم حصاد حبوب القهوة الحمراء “الكرزة” من على الشجرة أو من على الأرض بعد التأكد من نضوجها تماماً. وقد اختلفت طرق الحصاد منذ اكتشاف القهوة، وأغلبها اختصرت ذلك إما عن طريق القطف اليدوي -وهو السائد في معظم الأحيان- أو بواسطة آلة تجريد.

في الطريقة الأولى يتم قطف كافة الحبوب من على الشجرة، فتسقط على مشمع على الأرض. ومن عيوبها أنها تحتاج بعد ذلك إلى عملية فرز دقيق؛ لأنه من الممكن أن تكون هنالك بعض الحبوب الغير ناضجة، مما يؤثر على مذاق القهوة لاحقاً.

 أمّا طريقة الجرد الآلي، فهي تتم بواسطة آلة توضع بين الأغصان وتقوم بعملية اهتزاز لها، مما يؤدي لسقوط الحبوب. وكل شجرة بن يمكن أن تنتج أكثر من مرة خلال موسم واحد؛ لأنها لا تنضج في وقت واحد.

اساليب تجهيز القهوة للاستخدام:

منذ اكتشاف القهوة وبعد عملية حصاد حبوبها الخام، تتبع عدة أساليب لكي تصبح حبوب خضراء صالحة للاستخدام. وكل أسلوب من هذه الأساليب يحدد سعر وجودة البن فيما بعد، وتهدف كل هذه الأساليب إلى إزالة القشور الخارجية لحبة القهوة؛ ومن هذه الأساليب:

أسلوب الغسل:

 وهذا الأسلوب يعد الأفضل، ولكنه يتطلب الكثير من العناية. ويطلق على البن المستخدم في هذه الطريقة “البن المغسول”. ويتم حصاده لهذا الأسلوب يدوياً، ويتم فرزها وإبعاد البذور الغير ناضجة، وبعد ذلك يقوم المعنيون مباشرة بغمر الحبوب في الماء داخل خزانات ونقعها لمدة تتراوح ما بين ال17ـ و36 ساعة؛ بغية أن تلين بهدف فصل النواة عن اللب، وبعدها يتم تمرريها على قوة دفع مياه عالية لكي يزال ما تبقى عليها من رواسب.

وتنقل الحبوب بعد عملية التخمير بالماء تحت أشعة الشمس بهدف التجفيف، وبهذا تكون حبوب البن قد أصبحت جاهزة.

أسلوب التجفيف:

 ويتم ذلك باستخدام أفران خاصة، وهذا الأسلوب يعد الأسرع والأقل كلفة، ولكن ذا جودة أقل؛ لأن التجفيف بالأفران يؤدي إلى فقدان مذاق القهوة اللاذع.

التجفيف جزئياً تفرز الحبوب الناضجة عن غيرها من الحبوب الغير ناضجة، وبعد ذلك يتم نقع الحبوب الناضجة بكمية ماء بسيطة إلى أن تلين، وبعدها ينزع اللب عن النواة، وأخيراً يتم تجفيفها لتصبح جاهزة.

فوائد القهوة:

لكن هناك أطباء لديهم وجهة نظر مغايرة تقول إنه لا داعي لحرمان النفس من عبق ورائحة فنجانها. ويقول الأطباء أن فنجان من القهوة يحتوي على مادة الكافيين والتي بدورها تنشّط الجهاز العصبي. وتُهدأ من آلام الرأس، وهذه أهم الأسباب التي تجعل القهوة علاجاً ناجحا لعلاج الشقيقة، وهي تحمي الأسنان من التسوس، كما أنها تُخفّض خطر مرض النقرس عند الرجال فوق سن الأربعين، وهي غنية جداً بالمواد المضادة للسرطان والأكسدة.

 اضافة الى تقليل خطر الاصابة بأمراض القلب وزيادة اليقظة ولكن يجب استهلاكها بشكل معتدل.

وبالتالي لا داعي للحرمان من عبق رائحة فنجان القهوة، لأنه مفيد لتحسين المزاج؛ ولا الاكثار منها لتجنب مضارها.

مضار القهوة:

شرب كميات كبيرة من القهوة يمكن أن يسبب حالات مزعجة جداً خاصة بالنسبة للمسنين، وفي حالات نادرة، الآثار السلبية من الممكن أن تهدد حياتهم وتصبح أكثر انتشاراً عندما تؤخذ بشكل زائد، ايضا تناول كميات كبيرة من القهوة يؤدي إلى ارتفاع نسبة الكافيين في الجسم، بالتالي حدوث حالة من الإرهاق والتعب عند الشخص.

 بعض الأشخاص مدمنون بشكل سلبي على شرب القهوة، فهم أكثر شعوراً من غيرهم بالتعب والإرهاق، لأن الاعتماد على القهوة كمشروب أساسي يعمل على الإنهاك العقلي، مما يؤدي إلى انعدام الحافز واليأس.

بعد اكتشاف القهوة بفترة من الزمن وانتشارها. تعددت الأبحاث حيث ربطت بعض الدراسات، والأبحاث بين شرب القهوة بشكل كبير وبين زيادة نسبة الكولسترول في الدم، كما ربطت الدراسات الحديثة بين النساء الحوامل اللواتي يشربن القهوة بشكل غير طبيعي وبين ولادة أطفال ضعفاء جسدياً. حيث تعتبر القهوة خطراً حقيقياً على الحوامل، ويُنصح المرأة بعدم تناولها أثناء فترة الحمل. لاسيما خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل.

استهلاك القهوة يمكن أن يؤدي إلى نقص الحديد في الجسم عن طريق التداخل مع امتصاص الحديد، وخصوصا لدى الأمهات المرضعات.

يعود سبب تدخل القهوة بامتصاص الحديد إلى مادة ا”لبوليفينول” التي تحتوي عليها القهوة؛ ومع ذلك، الحديد الزائد قد يتسبب بسرطان للكبد. بالتالي استهلاك القهوة يرتبط سلبياً مع تطور سرطان الكبد وأيضاً نسبه “البوليفينول”.

*الصحة النفسية وعلاقتها بالقهوة:

تنصح هيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة أن تجنب القهوة قد يقلل من القلق ويرتبط بالكافيين هو المكون الرئيسي النشط في القهوة. بالنسبة لبعض الناس يمكن أن يؤدي التوقف عن استخدام الكافيين إلى تقليل القلق بشكل كبير.

واضطراب القلق الناجم عن الكافيين هو فئة فرعية من اضطرابات القلق الناجمة عن المواد أو الدواء، الفئة التي تكون أكثر تأثراً باستهلاك الكافيين هم المراهقون؛ والذين يعانون بالفعل من اضطرابات القلق.

وأشارت الأبحاث الأولية إلى احتمال وجود علاقة مفيدة بين تناول القهوة وتقليل الاكتئاب. بما في ذلك تقييم أعراض الخرف وضعف الإدراك، لكن الدراسات لم تكن حاسمة بالنسبة للبن الذي له تأثير على كبار السن.

القهوة في فلسطين:

تتميز «القهوة الفلسطينية» بمذاق خاص. ولا تخلو الجلسات الفلسطينية منها، وهي منتشرة في كل دول العالم نظراً لوجود الجاليات الفلسطينية في دول متفرقة.

وعمل عدد من المواطنين الفلسطينيين في المهنة كتجار كبار نظراً لرواجها، وظهرت المحلات الشهيرة في فلسطين لتجارة القهوة عام 1920 في القدس إلا أن القهوة ظهرت بين المواطنين من قبل ذلك الوقت بشكل عام في فلسطين.

وقال “كمال النامولى” أحد طهاة القهوة، أنها تحتاج إلى درجة حرارة معينة وفي الأغلب الدول العربية جميعها تعد بيئة مناسبة لحفظ القهوة بعيدا عن التلف، ويصل طول شجرة القهوة من 6 مترات إلى 9 مترات، والقهوة الفلسطينية منبعها من هناك فجميع المحلات التجارية في القاهرة تحرص على شراء القهوة البرازيلي فهي الأجود والأكثر إقبالا.

أقسام القهوة:

 القهوة تنقسم إلى قسمين قسم «اربيكا» وهي تعني أنها قادمة من دولة كولومبيا. والقسم الثاني هو الروبيستا وهي الأكثر حدة في القهوة وتعطي كثافة في شكل القهوة بعد طهيها وتقديمها للزوار.

 وتتميز حبات القهوة بأن كل حبة لها مميزات ودرجة حموضة معينة، وكل شجرة لها خصائصها، وتستورد القهوة خضراء ويتم تحميصها بدرجة حرارة 190 للقهوة الشقرا و130 للقهوة المحروقة واهناك لقهوة التركية الناعمة، والقهوة العربية السادة والقهوة «الاسبريسو» هي أشهر أنواع القهوة، والأكثر تداولاً وانتشاراً.

 عادة ما يتم دمج خليط من الانواع المختلفة بنسب معينة حتى تناسب القادم على الشراء للحصول على المذاق المطلوب. وطريقة الحفظ تحتاج درجة حرارة معتدلة من 20 إلى 25 درجة مئوية وتحفظ في مكان بعيد عن الهواء، وهي موسمية تزرع في أوقات معينة وليست طوال العام لكن معظم المنازل في قرية فاضل تحرص على تخزينها طوال العام.

القهوة والحفاظ على التراث:

وقال أحد طهاة القهوة، نتناول القهوة الفلسطينية في اليوم الواحد ثلاث مرات مع قطع الكيك. ويقبل عليها جميع أفراد الأسرة حتى الأطفال، ويوجد الكثير من الطهاة المبدعين يخرجون للطهي في المناسبات العامة بالزي الفلسطيني؛ لنعبر عن بلادنا.

 والقهوة الفلسطينية تضفي بهجة وفرحة في المجالس العربية، ولكل طاهٍ أسرار في الطهي دون غيرة، وفي مناسبات المهرجانات الشعبية نحرص على إقامة مسابقات لتقديم القهوة.

حيث ان القهوة كانت مصدر الهام للشعراء عبر الزمن وكانوا يشدون بها في قصائدهم التي تمجدها وتبرز اهميتها منهم الشاعر تميم البرغوثي قال في قصيدته” كاس قهوتي تحمل كثيرا من الاحلام تحمل شوقا للأرض وحنينا للبيت”.

من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش “اشرب القهوة والهموم في الكاس تضيع والملح في القهوة يزيد حلاوتها”.

ختاماً: تعد القهوة من أهم الاكتشافات قديماً وحديثاً حيث أن سوقها وقيمتها الاقتصادية في ارتفاع ونمو دائم، خاصة بعد أن جابت العالم بدءً من اثيوبيا ومن ثم اليمن وأوروبا حتى أمريكا، وكان لها واقعها المختلف حيث ارتبطت بالنوادي الثقافية في أوروبا. والجلسات والتجمعات في المقاهي في المنطقة العربية، هذا وتعتبر مادة خصبة للكتاب والشعراء والأدباء تغنوا بها على مدى أجيال.

وستبقى القهوة متربعة على عالم المشروبات. وتحصد البطولة في كل منافسة.

205 أفكار عن “اكتشاف القهوة…. رحلة طويلة امتدت عصوراً جابت العالم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *