إبراهيم نصر الله … بين الكتابة و الشعر والأدب

تشق شخصيات الكثير من الأدباء، والكتّاب طريقها إلى قلوبنا، وعقولنا، وسط عالم يزخر بأعماق الفكر ولونيات الإحساس، بكلمات تحمل معها ثقل الكلمة وخفة الفكر، من بين هؤلاء الشخصيات التي ارتقت في عالم الأدب والثقافة بصمة إبداعية لا تُنسى هو الشاعر، والكاتب، والروائي إبراهيم نصر الله.

 الذي تتجلى في إبداعاته موهبةً فذّة، ورؤيةً فريدة، فنرى في زمن يعج بالتحولات، والتطورات، لا يزال للكلمة والفكر قوةٌ خاصة تستطيع أن تعبّر عن الإنسان، وترتبط بعمقه وإحساسه.

هنا تأتي القصائد، والكتب، والروايات لتؤكد على هذه القوة، وتجعلنا نعيش تجارب إنسانية متنوعة، تلامس أوجاعنا وأفراحنا وتضفي على حياتنا طعمًا خاصًا.

يُعدّ إبراهيم نصر الله من أوائل الكتّاب، والشعراء الذين نجحوا في توظيف هذه القوة بشكل فعّال، وُلد في تلك الأرض الخصبة للعلم والأدب.

منذ صغره برع في فهم عمق الحروف وقوة التعبير، لم تمر أعوامٌ طويلة حتى أظهر موهبته الشعرية النادرة، حيث تألق في تقديم قصائد تعبّر عن وجدان الإنسان وتجاربه المتعددة.

نشأة إبراهيم نصر الله :

ولد الشاعر والكاتب والأديب إبراهيم نصر الله عام 1954م في عمّان، وهو فلسطيني الأصل، هُجرت عائلته من قرية البريج الفلسطينية عام 1948م. لينتقل الى الأردن ” عمان “، فعاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين، وأكملها إلى أن حصل على دبلوم تربية، وعلم نفس من مركز تدريب عمان.

غادر إبراهيم نصر الله للسعودية بعد عامين، وعمل مدرسًا فيها، ولم يمكث طويلا حتى عاد الى عمان، وعمل في مجال الصحافة الأردنية للعديد من الصحف كصحيفة الدستور والأفق.

انضم أيضًا الى مؤسسة عبد الحمد شومان كمستشار ثقافيًا للمؤسسة، وعمل كمدير للأنشطة الأدبية في دار الفنون من عام 1996م وحتى 2006م، بعد ذلك تفرغ للكتابة التي أتحفنا بها برواياته، وبدء يخطو نحو طريق الكتابة، وانشغل به حتى أصبح ينتج أعمالاً أدبية حققت نجاحاً باهراً.

 تم ترجمة أعماله الأدبية إلى العديد من اللغات. بالإضافة إلى إصداره الكثير من الكتب في مجال النقد يعبر فيها عن تجربته، ورسالة الدكتوراه والماجيستير التي توضح خبرته التي استمدها من الجامعات الأجنبية والعربية.

مشوار إبراهيم نصر الله الأدبي

قسم مشوار إبراهيم الأدبي إلى العديد من المراحل الهامة، فكل مرحلة جعلت منه شخصاً أكثر نجاحاً منها : 

أولاً: أعماله المترجمة

نشر إبراهيم ستة عشر ديواناً شعرياً. واثنا وعشرين رواية حتى الآن، ومن ضمن هذه الروايات رواية بعنوان “الملهاة الفلسطينية” التي تتكون من اثنا عشر رواية توضح تاريخ فلسطين من 250 سنة، وأكثر من ذلك، حيث ترجمت خمسة من رواياته إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى ديوان شعري، وأربعة من كتبه إلى اللغة الإيطالية، كما تم ترجمة واحدة من رواياته إلى عدة لغات من ضمنها اللغة التركية، الفارسية، والدانماركية .

روح الفنان المعاصر حاضرة في عقل ابراهيم، فكان بارعاً في التصوير. وله القدرة على الرسم بشكل دقيق وطبيعي، هذا ما شجعه للقيام بمعارض للتصوير والتي بلغ عددها خمسة معارض .

أعماله الروائية

نشر نصر الله أول رواية بعنوان “براري الحمى” التي نالت شهرة واسعة، والتي يتردد صداها حتى الان، تم طباعتها عدة مرات على التوالي، كما ناقشها العديد من النقاد في الدراسة الأكاديمية والنقدية، ومنذ أربع سنوات تم اختيارها من ضمن أبرز 5 روايات، وتم ترجمتها إلى اللغة الدنماركية، حتى بعد مرور 26 سنة من تاريخ إصدارها كلفت “الغاردين البريطانية” الكاتب الأمريكي مات ريس باختيار هذه الرواية من أبرز 10 روايات أنتجت في العالم العربي.

أصدرنصرالله بعد الرواية الأولى العديد من الروايات التي لاقت الشهرة الواسعة. وبناءاً عليها بدأ في نشر التجربة الخاصة به في الملهاة الفلسطينية، فكان المشروع الأول عالمياً الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية.

أعماله الشعرية: 

كانت أعمال نصر الله عبارة عن تحولات شعرية، حيث كانت أول ثلاث دواوين له متشابهة من طول النص، لكن في ثالث ديوان وهو “أناشيد الصباح” أحدث تغيراً في تناول قصائده فكرة الإنسانية. بدأ يحتفي بالتفاصيل الهامة، وظهر ذلك في العديد من قصائده مثل قصائد نوافذ الحب.

 نشر بعدها ديوان شعر “نعمان يسترد لونه”، وكان هذا الديون سبباً هاماً في تحول مسيرته الأدبية، حيث لاقى ردود أفعال مختلفة وأثار النقاد، ولذلك تم منع نشر هذا الديوان بعد أن صدر بـ 14 عام في سنة 1998م.

قام نصرالله بتجربة كتابة القصائد القصيرة في أحد دواوينه؛ وكانت هذه الخطوة ذات تأثير كبير على الحركة العربية للشعر، هذا الديوان بعنوان “عواصف القلب”. وتلى هذا الديوان بعد مرور أعوام ديوان “شرفات الخريف”. بالإضافة إلى كتاب بعنوان “الموت والموتى” الذي تناول فيه التحدث عن الموت وتقديم 100 قصيدة فيه.

أرواح كليمنجارو

 تعتبر نقطة تحول في الأدب العربي المعاصر، تتميز الرواية بقصة مشوقة وأسلوب سردي عميق، وهي تطرح مواضيع عدة من خلال رحلة مجموعة من الأصدقاء إلى قمة جبل كليمنجارو.

تدور أحداث على متسلقي جبل كليمنجارو في تنزانيا التي كان بها نصرالله برفقة طفلين فلسطينيين. أحدهما معتصم أبو كرش الذي فقد ساقه وجزءاً من يده جراء قنبلة تلقفها رغماً عنه. بعدما اجتاحت منزله في قطاع غزة.

 والثانية ياسمين النجار من نابلس. وفقدت ساقها وفق العديد من الروايات في حادث سير. تحت عنوان “الصعود من أجل الأمل”، والتي تكللت بالنجاح في تسلق الطفلين الفلسطينيين والروائي وآخرين. الجبل الذي يقترب ارتفاعه من ستة آلاف متر، رافعين العلم الفلسطيني أعلاه.

 بعدها بأشهر، كان ثمة كثير من التساؤلات تتفاعل داخل نفس نصر الله، وإذا ما كان سيرصد الرحلة الجبلية الصعبة في عمل روائي، أو سردية ما. قبل أن يكشف في أيلول من العام نفسه. وخلال ندوة له ضمن فعاليات معرض عمّان الدولي للكتاب. بأنه قرر صياغة الرحلة في عمل روائي. بل وقرأ فصلاً منه. ومن هنا جاءت روايته “أرواح كليمنجارو”.

الملهاة الفلسطينية

“بينما كنا نتشرّبُ حكاياتِ الأمهاتِ والجدّاتِ

التي كنَّ يقُدْننا فيها، وبها. نحوَ النوم

نستعيدُ هذه الحكاياتِ في الكتابة،

في محاولة منا لإيقاظِ العالم!”

تنوع وتعدد في تقانات السرد الروائي. والملحمي تشهده روايات ملحمة الملهاة الفلسطينية. والذي يستند إلى أرضية تاريخية، وجغرافية، وحضارية، وثقافية صلبة.

جاءت روايات “الملهاة الفلسطينية” احتفالية بوح تهبط إلى روح الإنسان الفلسطيني من الداخل. لتكشف عن مأساته وأنّته، بغلاف سردي قلّ نظيره في روايات تجسد التجربة الحية العربية.

 فمشروع ” الملهاة الفلسطينية ملحمة روائية مؤلفة من شبكة روايات قد حظيت باهتمام نصر الله الإبداعي على أكثر من مستوى “تحكي قصة شعب عانى وأسى بلغة الحساسية. والهوامش، والتفاصيل اليومية البسيطة ” .

توثق روايات الملهاة الفلسطينية تاريخ فلسطين الرسمي وغير الرسمي. كرواية قناديل ملك الجليل. زمن الخيول البيضاء، طفل الممحاة، وزيتون الشوارع.

جوائز وتقديرات نصر الله

حصل نصر الله على عدة جوائز من بداياته الأدبية كجائزة عرار للشعر التي حصل عليها عام 1991م.3 جائزة تيسير سبول للرواية 1994م، وجائزة كتارا للرواية العربية عام 2016م عن رواية ” أرواح كليمنجارو “.

حلّ نصر الله ضيفا على كثير من المهرجانات الشعرية. والندوات الأدبية. والفنية التي عقدت في الكثير من البلدان العربية والأجنبية ومنها: الأردن، مصر، العراق، الإمارات العربية المتحدة. سورية. لبنان، الجزائر، السودان، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، كولومبيا. السويد. روسيا، كندا.

من خلال مشواره المثير في عالم الأدب. والشعر. والفكر. تبقى إسهامات إبراهيم نصر الله حاضرة في قلوب القرّاء. والمحبين للأدب العربي.

 إن إرثه المتنوع يظلّ مصدر إلهام للأجيال القادمة. إبراهيم نصر الله ليس مجرد كاتب أو شاعر أو أديب. بل هو أيقونة تستحق أن تُذكر وتُعرَّف لما قدمه لعالم الثقافة والأدب العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *