أغنية الروزانا …. فلكلور شعبي تعددت رواياته

أغنية الروزانا..تتجاوز الأغاني الشعبية حدود الزمان، والمكان لتروي قصصًا تعبق بالتراث. والعراقة، فهي تعكس تفاصيل حياة الشعوب البسيطة وتجاربهم اليومية، وتصور أوجه الحب والفرح والحزن والفقر بأسلوبٍ يتسم بالعفوية.

 تعبر الروزنا عن جذور الثقافة والهوية، وتجسّد قيمًا اجتماعية، وأخلاقية تُبنى على أسس التضامن والتواصل. من خلال البحث في أعماق الأغاني الشعبية، يمكننا استشفاف تطورات المجتمعات عبر العصور. تعكس تلك الأغاني تحولات الحضارات. وتقلبات الزمن. وتحمل في معانيها تجارب الأجداد وحكاياتهم التي لا تزال حية في الذاكرة الجماعية. تعتبر الأغاني الشعبية نوافذ لاستكشاف تراث الأمم وفهم تطورها المعرفي والثقافي عبر العصور.

ما هي الأغاني الشعبية:

 نوع من الموسيقى التي تمثل التراث الثقافي، والفلكلور لشعب معين أو منطقة محددة. تتميز الأغاني الشعبية بأنها تأتي عن طريق الوراثة الشفهية، حيث يتم نقلها من جيل إلى جيل عبر الأجيال دون أن تخضع للتسجيل الرسمي. تستند هذه الأغاني إلى اللحن والكلمات. وغالبًا ما تنقل قصصًا وتجارب من حياة الناس البسيطة .

تعبر الأغاني الشعبية عن التراث الثقافي للشعوب. وقد تتناول مواضيع متعددة مثل الحب، والحياة اليومية، والتقاليد، والأحداث التاريخية، والقصص الشعبية. تُؤدى هذه الأغاني في العادة في المجتمعات المحلية أثناء المناسبات الخاصة والاحتفالات، وتتراوح أساليب الأداء من الأغاني الجماعية إلى الأغاني الفردية. تتنوع من منطقة إلى أخرى. ويتميز كل نوع بطابعه الخاص وأسلوبه الموسيقي. إنها تمثل جزءًا مهمًا من التراث الثقافي للشعوب وتساهم في الحفاظ على هوياتهم وتراثهم الثقافي. ومن الأغاني الشعبية المشهورة ” أغنية الروزانا ” .

قصة الروزانا:

تختلف الروايات لكن أغلبها تدور حول قصة سفينة تدعى “روزانا” وهنا روايتان :
 الأولى : تقول إنها كانت سفينة عثمانية محملة عنباً وتفاحاً، وجيء بها إلى بيروت لتبيع كل إنتاجها. بدل إنتاج المزارعين اللبنانيين وهو ما حصل .فكسد الإنتاج اللبناني. ليأتي تجّار حلب ويتضامنوا مع اللبنانيين ويشتروا كل محصولهم، وينقذوهم من الفقر والعوز .
 أما الرواية الثانية : فتقول إن السفينة التي تدعى “روزانا” هي سفينة إيطالية. وأرسلتها إيطاليا إلى لبنان وسورية وقت المجاعة الكبرى عام 1914، محملة بالقمح. لكن عنما وصلت تبيّن أنها محملة عنباً. وتفاحاً ما أصاب اللبنانيين والسوريين بالخيبة، ورغم ذلك قام أهالي حلب بتأمين القمح اللازم للبنانيين. لإنقاذهم من المجاعة .

الاختلاف على نسب الروزانا:

نالت الروزانا شهرة كبيرة ليتم تداولها بالاحتفالات، والمهرجانات وحتى الإذاعات. تربى كل منا على الروايات المتداولة حول كساد المحصول، ومساعدة حلب للبنانين، ورسى الجميع أنها سفينة إيطالية وتداولها في كل حين وحين.

 لكن أتت المفاجأة في تشكيك صحة قصتها، وروايتها، حيث يتهم “الجميل” الإعلامي السوري “سعد الله الآغا” بأنه قد نسج  قصة من خياله لينفي لبنانية الأغنية. ويختلق تفسيراً غريباً لجعلها أغنية سورية بقوله :« أن مجاعة ضربت بلاد الشام في أوائل الحرب العالمية الأولى، وأن العثمانيين الأتراك جمعوا القمح للجيش فجاع الناس. فتوجهت من “ايطاليا” باخرة إسمها “الروزانا الايطالية” نحو “بيروت”. ولكن الحرب التي دخلتها “إيطاليا” إلى جانب الحلفاء أدت لمحاصرة الشواطىء ولم تصل الباخرة. فأقدم تجار “حلب” على تزويد “لبنان” بالقمح واستلام محصول التفاح كبديل عنه تهريباً مع تغطيته بالعنب!! ولم يذكر “الآغا”على أي مصدر اعتمد في كتابة هذه القصة  .

الكاتب والمؤرخ العراقي “الجميل”

يؤكد الكاتب والمؤرخ العراقي “الجميل” أنه اكتشف في مخطوط ديوان الشاعر “عبد الله راقم أفندي” 1853- 1891 م أن هذه الأغنية قد كتبها بنفسه في جلسة سمر، واتفق مع صديقه الموسيقار الضرير “الملا عثمان الموصلي” على تلحينه. وهي تحكي قصة عاشقين كانا يلتقيان خلسة وراء الروزانا، وأن العاشق رحل إلى “حلب” بعد أن افتقد حبيبته إثر إغلاق أهلها للروزانا التي يسميها “الموصليون” بـ “الغوزني”. حيث يوضح قائلاً:« أن “الروزانا” هي فتحة تُبنى في البيوت القديمة بالموصل. ويسميها البغداديون “الرازونا”. وهي ليست كما أشاع السوريون واللبنانيون اسم سفينة إيطالية. ومن خلال ما كتب فعلاً هناك سفينة اسمها “ريجينا” وليست “روزانا” بنيت منذ زمن طويل، إذ يقول تاريخها بأنها قد تحطمت عام 1872 في عاصفة قوية جداً بالبحر.

تظهر أغنية الروزانا كمثال مشرق على تعقيد الأغاني الشعبية. وتباين الروايات التي تحيط بها، هذا التباين في الروايات يشير إلى عمق الثقافة، وتعدد الفهم البشري للأحداث والمعاني. فعلى الرغم من الاختلافات في الروايات. يمكن للأغنية أن تجمع بين الأجيال وتوحد الناس في حبها المشترك للألحان والكلمات. كما تعكس هذه الأغنية تأثيراتها المتجددة على مختلف الأجيال. وتتيح لهم إعادة اكتشاف قصتها من منظورات متعددة. إن اختلاف الروايات ليس عائقًا. بل هو جزء من سحر الأغاني الشعبية الذي يتيح للجميع المشاركة في تكوين معنى الأغنية حسب خلفيتهم وتجاربهم.

بهذه الطريقة، تظل “الروزانا” وأمثالها رموزًا للثقافة والموروث الشعبي الذي يجمع بين الماضي والحاضر.

 إنها تجسيد للروح الإنسانية التي تعبر عن نفسها من خلال ألحان بسيطة وكلمات تمس القلوب. ومهما

 اختلفت الروايات. تبقى هذه الأغاني الشعبية مسرحًا للتلاقي والتواصل بين الأجيال والثقافات المتعددة. فماأجملها من روح تجمع وتوحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *